ثمانية عشر عاما وهي تحمي سلاحف البحر، بعد أن محضتها الحب من على شاطىء المنصوري في قضاء صور، هناك حيث لما تزل فسحة من الشاطىء تلوذ إليها السلاحف، تراقبها، ترعاها، تسوِّر أعشاشَها وتطلق صغارها بعد الفقس إلى رحاب البحر، لتبدأ دورة حياة جديدة، قبل أن تعود إلى الموقع عينه في سيرورة حياتها المستمرة منذ ملايين السنين.
ثمانية عشر عاما، ولما تزل منى خليل تبث الدفء في منطقة حولتها إلى حمى لسلاحف البحر، ناشطة، متخصصة وخبيرة في عالم السلاحف ورعايتها، ما اعتراها الوهن وهي تدافع عن هذه الكائنات الرائعة بعد أن غُيبت موائلها لصالح “ثقافة الاسمنت”، واستباحة الشواطىء ومصادرتها.
ثمانية عشر عاما لم تخل من المواجهات أيضا، والتصدي لمختلف أنواع التعديات كالتي تشن على مجمل الشواطئ اللبنانية، لكن هل وفينا خليل حقها؟ وهل واكبنا جهودها في حماية الشاطىء والحفاظ على التوازن الإيكولوجي الذي تعتبر السلاحف جزءا مهما وأساسيا منه؟
الاستدامة
هنا لا بد من الإشارة إلى أنه بعد سنوات من الحماية والرعاية والعمل والسهر، فإن الحال اليوم ليس بأفضل من ذي قبل، خصوصا لناحية أعداد السلاحف التي توجهت خلال هذا الموسم لوضع بيوضها عند شاطئ المنصوري الذي لطالما ظل بعيدا عن التعدي، فيما اليوم ما عاد آمنا بالنسبة للسلاحف، والدليل هو الانخفاض اللافت للانتباه في أعداد الأعشاش، والسبب وفقا لسائر المعطيات الميدانية، يعود لمشروع المنتجع السياحي المجاور، الذي تم تشييده على أرض مصنفة زراعية بالقرب من الحمى، الأمر الذي عرَّض السلاحف لمخاطر جمة، أهمها تأثر الحمى بشكل مباشر بالتلوث الضوئي.
وتجدر الإشارة إلى أن ليس هناك من هو ضد التنمية وإطلاق مشاريع سياحية، ولكن على قاعدة تراعي الاستدامة، وأن تلحظ بعض المشاريع الغنى والتنوع البيئي، وصولا إلى تعميم السياحة الخضراء.
انخفاض أعداد الأعشاش
وفي هذا الموسم، تم رصد حالات مَنعت السلاحف من توفير ديمومة استمرارها، وبحسب “البيت البرتقالي” وهو الجهة التي حمت موائلها، فقد اتجهت 22 سلحفاة إلى الشاطئ ورحلت دون أن تضع بيوضها، وقد وثقت هذه الحالات يوما بيوم، بينما قدر عدد الأعشاش لهذا العام بـ 13 عشا لسلاحف من نوع ضخمة الرأس، و8 أعشاش لسلاحف خضراء وهي من الانواع المهددة بالانقراض عالميا، وبهذه المحصلة يبقى عدد الاعشاش المحمية منخفضا مقارنة بالسنوات الفائتة، وهذا الأمر استدعى تحركا من ناشطين باتجاه وزارة البيئة.
مخالفات قانونية
وفي سياق متصل، تواصل greenarea.info مع مصدر مسؤول في وزارة البيئة للتدقيق في خطة الإدارة البيئية التي تعهد بها صاحب الأرض، لجهة الأخذ بعين الاعتبار مراقبة مستويات الضجيج والإجراءات التفصيلية التي كان من المفترض الالتزام بها من قبل إدارة المشروع، لتخفيف أثر إنشائه وتشغيله على السلاحف، وبما يضمن حمايتها من الانقراض، من حيث مراعاة أمور عدة، ومنها الإضاءة وكيفية تشغيلها.
وكانت ثمة مفاجأة حيث أعلن المصدر نفسه أنه “ثبُت لنا أن القيمين المشروع تحايلوا على الرخصة التي أعطيت لتشييد بناء سكني خاص، ليتبين لاحقا قيام منتجع سياحي”، وأكد أن “الوزارة ستقوم بما هو مطلوب ميدانيا وقانونيا”.
كما تبين أن ثمة مخالفات عدة أيضا، وأهمها عدم الالتزام بدراسة الأثر البيئي لناحية الأضواء، وهذا الأمر وغيره سيكون موضع متابعة من قبل أجهزة الوزارة المعنية.
وتجدر الإشارة إلى أن القيمين على المشروع حاولوا قبل أسابيع عدة ردم مساحة من الشاطىء (وهو ملكية عامة) بطبقة من التراب الأحمر، ما اضطر الأهالي للتحرك وتحديد الأرض وإعادة الوضع إلى ما كان عليه.
تلج: لا شيء يعوض غيابها
المتخصصة في علوم البحار جينا تلج، قالت لـ greenarea.info: “إن أنثى السلحفاة البحرية، عندما تتجه نحو الشاطىء لوضع بيوضها، وإذا ما لاحظت وجود أضواء كثيرة فإنها تعود أدراجها، وتعاود المحاولة مرتين وثلاث، وإذا ظلت الأضواء على حالها تغادر إلى موقع آخر ليس مثاليا، وفي هذه الحالة، فإن غالبية صغار السلاحف تفقد فرصتها في النجاة”.
وأضافت: “بالنسبة لصغار السلاحف أيضا، وعندما تكون الإضاءة كبيرة على الشواطىء، تتجه نحو هذه الأضواء وتضل طريقها إلى البحر، مما يجعلها عرضة للمفترسات كالثعالب والكلاب والطيور البحرية وغيرها”.
ورأت تلج أن “الحل سهل ويتطلب فقط التخفيف من الأضواء، ووضعها بشكل موارب وموجه عكس الشاطىء والاستعاضة عن الألوان البيضاء والصفراء باللون الأحمر الخفيف لأن السلاحف الصغيرة والكبيرة لا تتأثر به ولا تراه”.
أما عن التمدد العمراني العشوائي، فقالت تلج: “في لبنان، يضعنا هذا الأمر في منافسة مع السلاحف على الشواطىء الرملية القليلة، بحيث تتراجع وتتقلص موائل السلاحف من حيث المساحة مع فقدان هذه الشواطىء، ويهمني أن أشير هنا إلى أننا نتنازع مع كائن بات نادرا ومعرضا للانقراض، وعلينا القيام بما يساعده على التكاثر، لأن السلاحف تؤثر على كل النظام الإيكولوجي، ولا شيء يعوض غيابها، فضلا عن أنها كائن يواجه الكثير من المشقات للاستمرار، من الولادة حتى البلوغ”.