يلحظ العالم منذ فترة طويلة تغيرات مناخية في المنطقة الواحدة وفي الفصل الطقسي الواحد، إلا أن وتيرة هذه التغيرات قد اشتدّت سرعتها في هذا العام، وما يشهده العالم من درجات حرارة مرتفعة ليس إلا أكبر دليل على أن الآتي أعظم!!
لا يقتصر التحذير طبعاً على ارتفاع درجات الحرارة وشعور الناس بالحر، بل يتخطى الأمر ذلك ليصل إلى تهديد مجتمعات بالإنهيار، فمياه الشفة التي تشكّل عنصراً أساسياً من عناصر الحياة باتت مهددة بشكل كبير لتهدّد معها البشرية.
في عام 2017، كشف المدير التنفيذي لمنظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة (اليونيسف)، أنتونى ليك، أن أكثر من 36 دولة تعاني حاليا من شح في المياه منوهةً الى ان طفلا من كل أربعة حول العالم سيعيشون في مناطق تعاني من النقص الحاد في موارد المياه بحلول عام 2040. وأضاف “ملايين الأطفال لا يحصلون على مياه آمنة وهو ما يعرض حياتهم للخطر ويقوض صحتهم ويهدد مستقبلهم”.. “الأزمة ستزداد إلا في حال تحركنا بشكل جماعي الآن.”
في العام نفسه، حذرت اليونيسيف من أن ما يقارب من 600 مليون طفل سيعيشون في مناطق تعاني من نقص شديد في مصادر المياه الصالحة للشرب في غضون عقدين من الزمن، بسبب تنامي الطلب على المياه جراء زيادة عدد السكان. ووفقا للتقرير فإن أكثر من 36 دولة تعاني حاليا من شح في المياه فيما حجم الطلب يتجاوز حجم مصادر المياة المتجددة المتوفرة. وبحسب تقرير صادر عن “المعهد العالمي للموارد”فان 36 دولة ستعاني من نقص حاد في المياه مع حلول عام 2040، ومن بينها 16 دولة عربية، حيث يبلغ نصيب الفرد الواحد من المياه سنويا ألف متر مكعب بينما نصيب الأمان المائي بحدوده الدنيا كما هو مقرر دوليا هو ثلاثة أضعاف هذا المقدار.
وقد بيّنت دراسة أجراها معهد الموارد العالمية “WRI” أن أكثر البلدان عرضة لمشكلة نقص المياه فى المستقبل القريب ستكون دول منطقة الشرق الأوسط، التي تُعتبر الأكثر ضعفاً فى مواجهة المشكلة.
على ما يبدو فإن الأرقام الواردة أعلاه قد تتغيّر مع تسارع الأمور خصوصاً في الدول العربية، ففي العراق أطلقت صفّارات الإنذار بشدّة ووصل الجفاف إلى قطاع الزراعة ومنه إلى كل بيت وشفة!!
فبحسب مستشار وزارة الموارد المائية ظافر عبد الله فإن العراق يمر بسنة مائية شحيحة، قلّت فيها الإيرادات المائية عن معدلاتها العامة، بحيث أصبحت لا تلبي حاجات الاستهلاك الطبيعي خصوصاً وأن الجفاف حلّ بنهر دجلة والفرات على نفس الطريق يسير، في حين شهد سدّ الموصل انخفاضاً في مستوى المياه بشكل متواصل، ولكن هذا الانخفاض وحسب جهاز الإنذار وصل حالياً إلى ما نسبته 60% مقارنة بذروة منسوب المياه في التسعينات.
ومؤخراً كشف نظام حديث للإنذار المبكر يعمل عبر الأقمار الصناعية ويرصد سدود العالم البالغ عددها 500 ألف سد، أن العراق والمغرب قد اقتربا من ساعة الصفر وأنّهما يعانيان من أزمة مياه جديّة بسبب انخفاض منسوب المياه في أهم السدود.
وكان معهد الموارد العالمية أعلن أن المياه في سد المسيرة في المغرب الآن في أدنى مستوى لها منذ عقد من الزمن، وأضاف أنه في المرة الأخيرة التي نضب فيها السد انخفض إنتاج الحبوب إلى النصف وتضرر أكثر من 700 ألف شخص.
يشير تقرير اليونسكو الأخير إلى عدم قدرة أكثر من ملياري شخص في عالمنا حالياً على الوصول لمياه شرب آمنة، كما لا يتوفر لأكثر من ضعف هذا العدد صرف صحي آمن، وذلك بسبب تزايد عدد سكان العالم بسرعة شديدة، وهو ما يجعل العالم في حاجة لأفكار مبتكرة تمكنه من إدارة ما يطلق عليه التقرير “مواردنا العذبة الثمينة”.
الأرقام تتبدّل بين يوم وآخر، ومستقبل البشرية فعلاً على شفير الهاوية، فهل من يسمع ويتحرّك؟