فيما كنا بصدد التوجه إلى بيت مري – قضاء المتن لمتابعة وقائع جلسة إستماع علنية دعت إليها البلدية على خلفية اعتراض الأهالي على مشروع إقامة معمل لفرز النفايات ومعالجتها في واديلامارتين، فوجئنا أن الجلسة أرجئت قبل موعد انعقادها بقليل دون معرفة الأسباب الحقيقية الموجبة، وكان من المقرر أن يعبر خلالها المعترضون عن هواجسهم حيال المشروع الذي أثيرت حوله علاماتاستفهام كبيرة، سواء لجهة طريقة التلزيم التي اعترتها شوائبقانونية، أو لجهة الموقع المقترح لإقامة المشروع في قلب الواديالطبيعي.
وفي ما توافر من معطيات أولية، وبحسب جهات معنية، فإن إرجاء الجلسة ليس بعيدا عن مواقف المعترضين لجهة أن مشروعمعمل فرز النفايات تم تلزيمه – دون دفتر شروط ولا استدراج عروض– إلى شركة لبنانية ناشئة وشركة إيطالية، تبين لاحقا أنه لا يوجد فيسجلها مشاريع بهذا الحجم.
حماسة وزارة البيئة!
ويتساءل هؤلاء عن سبب الحماسة البالغة التي يبديها رئيسالبلدية وقسم كبير من أعضائها للإسراع في تنفيذ المشروعوالحصول على التواقيع اللازمة من الوزارات المعنية، فضلا عما أبدته وزارة البيئة من حماسة مماثلة، معتبرة في رسالة وجهها الوزير طارق الخطيب إلى رئيس البلدية روي خليل أبي شديد في 9 آب (أغسطس) الجاري أن المشروع “يعتبر إضافة مهمة وتجربة فريدة في ملف إدارة النفايات المنزلية الصلبة”!
ويأتي إرجاء الجلسة مثيرا للتساؤلات، ذلك أن الأهالي والسكان من حقهم الاطلاع على المشروع وإبداء الرأي والملاحظات والتوجسات، فضلا عن أن الوزير الخطيب كان قد طالب أمس في مقابلة متلفزة من لديهم اعتراض التوجه إلى حضور جلسة الاستماع، ومناقشة أسباب اعتراضهم مع البلدية، ولذلك، يأتي تأجيل الجلسة ملتبسا، على الأقل حتى إعداد هذا التقرير.
وما خفي من أمور، يؤكد أن مصنع المعالجة يتسم بطابع استثماري، يعفي أهالي بيت مري من كلفة معالجة النفايات وتستفيد بلديتها من عائداته المالية من القرى المستفيدة، وفق ما أكد مصدر متابع لـ greenarea.info، منوها إلى أن ما شهدناه “لم يتخط التبرير لتسهيل تمرير المشروع في منطقة خضراء تعتبر الأجمل في لبنان، وتواجه تحديات من الضروري مواجهتها”، وأكد المصدر أنه “في حين تدرس قرى وبلدات المتن الأعلى المتاخمة لبيت مري مشاريع تراعي الاستدامة والسياحة البيئية بالتعاون مع بلديات وجهات أوروبية يأتي هذا المشروع في سياق آخر”.
أبي راشد
وأشار رئيس “الحركة البيئية” بول أبي رشاد لـ greenarea.info إلى “اننا كنا قد حذرنا منذ 10 تموز (يوليو) الماضي من خطورة هذا المشروع، وتساءلنا كيف يعقل أن يتم اختيار موقع بناء معمل نفايات لأربعمئة طن يوميا في وادي نهر بيروت المصنف موقعا طبيعيا محميا منذ العام 1998، وفوق (نبع الديشونية) الذي يغذي بالمياه بيروت الكبرى”.
وقال: “ناشدت الحركة البيئية اللبنانية مجلس بلدية بيت مري العودة عن هذا المشروع والاستعاضة عنه بمشروع للسياحة البيئية يحافظ على الوادي الجميل الذي سحر الشاعر الفرنسي لامرتين، كما كنا قد أشرنا إلى أن هذا الموقع هو رئة ومكيف طبيعي لمدينة بيروت والقرى المجاورة من فالوغا وحمانا إلى قرنايل وغيرها، ومصدر الأوكسيجين والمياه الجوفية، وتساءلنا ما إذا كانت وزارة البيئة ستوافق على دراسة الأثر البيئي“.
وأضاف أبي راشد: “إن لوادي لامرتين أربعة تصنيفات، فهو مصنف من قبل وزارة البيئة موقعا طييعيا، والمواقع الطبيعية تعامل معاملة دقيقة من وزارة البيئة وغيرها، وهذا ما يحتم وجود دراسات كما هو الحال بالنسبة لأي مشروع، كما أنه مصنف أيضا كموقع مهم للتنوع البيولوجي، ومصنف منطقة مهمة للطيور المهاجرة ولا سيما بيت شباب وبيت مري، باعتبارهما يشكلان مسارا ومحطة مهمة للطيور الجارحة ترقى إلى ملايين السنين، وهي تعبر مرتين في العام، فضلا عن أن تصنيف الوادي الرابع يتعلق بأهميته من حيث النباتاتوالغطاء الأخضر“.
ورأى أن “المشكلة تتمثل في أنه في حال أنشىء هذا المشروع، فسيهدد مستقبل الوادي بأكمله، باعتباره منطقة عذراء”، لافتا إلى أن “المشروع سيحول الوادي إلى منطقة صناعية، فضلا عن حركة شاحنات من وإلى المصنع، وهذا ما لا يمكن تصور نتائجه، ولا سيما على بيت مري كمصيف وموقع سياحي”.
وختم أبي راشد مؤكدا أن “إنشاء أي معمل بعيدا من التدقيق في تقنياته هو اغتصاب لقدسية هذه المنطقة”.
إعلان البلدية
وأصدرت بلدية بيت مري إعلانا، جاء فيه: “لما كانت الغاية من اجتماع العامة المفتوح الذي كان مقررا عقد عند الساعة الثامنة من مساء اليوم (الإثنين) في صالة كنيسة مار ساسين – بيت مري، هي إطلاع أهالي وسكان بيت مري على تفاصيل ودقائق الأمور المتعلقة بمشروع إنشاء وتشغيل معمل معالجة النفايات الصلبة، ولما شعرنا أن الأجواء العامة تنحو إلى مزيد من شحن النفوس والتوتر غير المألوفين في البلدة، ولما من شأن هذا الأمر أن يحول دون إمكانية إيصال الرسالة المرجوة والهدف من اللقاء، لذلك قررنا تأجيل الاجتماع إلى موعد يعلن عنه لاحقا، علما بأننا قمنا بعقد مؤتمر صحافي شرحنا فيه تفاصيل المشروع بإسهاب، كما وأجبنا على جميع تساؤلات الصحافيين والحضور، مؤكدين أيضا وأيضا حرصنا الشديد للعمل دوما لما فيه خدمة وصحة وسلامة البلدة وسكانها“.
النائب ديب ومخيبر
وفي سياق متصل، التقى وزير البيئة طارق الخطيب اليوم عضو تكتل “لبنان القوي” النائب حكمت ديب ونائب المتن السابق غسان مخيبر، الذي جدد اعتراضه على “إنشاء معمل لمعالجة 400 طن من النفايات المنزلية في مشاع بلدة بيت مري ضمن وادي بيروت“.
وأعرب مخيبر عن تأييده “للعريضة الشعبية التي وقعها المئات من اهالي بلدة بيت مري وأرسلوها الى وزارة البيئة”، معتبرا أن “المعمل يضر بالبيئة في أجمل المناطق الخضراء المتبقية في محيط بيروت وبين قضاءي المتن وبعبدا“.