على قدر انتشار الوسائل المطروحة للحد من أزمة التغيرات المناخية، اكتشف العلماء طريقةً لإنتاج معدنٍ بشكلٍ معمليٍّ، يمكنه امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو، طارحاً بذلك استراتيجيةً محتملةً لمعالجة التغير المناخي، وإنقاذ العالم من هذه الكارثة. هذا المعدن، الذي يُدعى الماغنسيت، مادةٌ طبيعيةٌ توجد في الصخور، وتُستخدم في المجوهرات وعملياتٍ صناعيةٍ مختلفةٍ، وقدرته على تخزين الكربون هي أمرٌ معروفٌ للعلماء، حسب تقرير لصحيفة The Independent البريطانية. ولكن الجديد أن العلماء نجحوا في إنتاجه بالمعمل، فاتحين الآفاق لإمكانية إنتاجه بكميات كبيرة بطريقة تسمح باستخلاص الكربون من الهواء، والذي تُعَدُّ زيادة نسبته إحدى أبرز مشكلات التغير المناخي.

من خلال تقليص عمليةٍ تستغرق في العادة آلاف السنين إلى بضعة أيامٍ، يمكن للبحث أن يعزز المجال المتنامي من أجل استخلاص الكربون وتخزينه (CCS). وفي حين يكافح العالَم لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، يتفق الخبراء بشكلٍ كبير على أن التكنولوجيات التي تمتص ثاني أكسيد الكربون من الجو ستغدو أداةً جوهريةً للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري. ويستطيع كل طنٍ من الماغنسيت أن يتخلص من نحو نصف طنٍ من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي. ومع ذلك، وفي حين كشفت الدراسات السابقة إمكانية تخزين الغازات الملوثة في التكوينات الصخرية تحت الأرض، فإن إمكانية حدوث هذه الأنشطة يعرقلها الوقت المستغرق في تشكيل المعادن الجديدة. فقد استطاعوا صنعه في 72 يوماً بدلاً من آلاف السنين؟

وأوضح البروفيسور إيان باور، الذي ترأس البحث الجديد بجامعة ترينت، أن «هذه العملية تستغرق مئات الآلاف من السنين بشكلٍ طبيعيٍ على سطح الأرض». ولتجاوز هذه المشكلة، حدّد البروفيسور باور وفريقه العمليات التي تُشكِّل الماغنسيت بشكلٍ طبيعيٍ في درجات حرارةٍ منخفضةٍ، ثم استخدم هذه المعلومة لتسريع تبلوره بدرجةٍ كبيرةٍ. ومع استخدام جزيئات البوليسترين المجهرية كمحفزٍ لتسريع التفاعلات التي تشكل هذه الصخرة، استطاعوا تخفيض وقت تكوينها إلى 72 يوماً.

تتم العملية بأكملها في درجة حرارة الغرفة، ما يجعلها موفرةً جداً للطاقة. وقال البروفيسور باور: «حتى الآن، ندرك أن هذه عمليةٌ تجريبيةٌ، وسوف نحتاج إلى توسيع نطاقها قبل أن نكون متأكدين من أن الماغنسيت يمكن استخدامه في امتصاص الكربون (استخلاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه بشكل دائم كما في معدن الماغنسيت)». و»يعتمد هذا على عدة متغيراتٍ، من ضمنها سعر الكربون وصقل تكنولوجيا الامتصاص، ولكننا ندرك الآن أن العلم جعله قابلاً للتنفيذ». قدّم العلماء هذه النتائج بمؤتمر غولدشميت للكيمياء الجيولوجية في بوسطن. تَبرز تقنيات استخلاص الكربون وتخزينه بشكلٍ واضحٍ، في عدة خططٍ، للوصول إلى الأهداف التي حددتها اتفاقية باريس الدولية للمناخ، ومن أجل تجنب التغيُّر الكارثي للمناخ.ومع ذلك، وصف بعض العلماء البارزين التوقعات الملقاة عليهم بأنها «مفرطةٌ في التفاؤل» بالوضع في الاعتبار عدم توافر إجراءاتٍ جاهزة لتصنيعها. ورغم هذه الهواجس، هناك قبولٌ عامٌ بأن مثل هذه التقنيات يجب تطويرها جنباً إلى جنبٍ مع إجراءات تخفيض انبعاثات الكربون الأخرى، ورحَّب العلماء على نطاقٍ واسعٍ بإنجاز تخزين الكربون، الذي قدمه البروفيسور باور وفريقه. فقال البروفيسور بيتر كيلمين، الخبير في مجال احتجاز الكربون بجامعة كولومبيا والذي لم يشارك في الدراسة: «من المثير حقاً أن هذه المجموعة عملت على آلية بلورة الماغنسيت الطبيعي في درجات حرارةٍ منخفضةٍ، كما لوحظ سابقاً ولكن لم يتم شرحه، من خلال تفكيك الصخور المافية بفعل العوامل الجوية (الغنية بالماغنسيوم والفقيرة بالسيليكا)». «تُعدُّ إمكانية تسريع العملية أمراً مهماً أيضاً، ومن المحتمل أن تُقدِّم مساراً غير خطيرٍ أو غير مكلفٍ نسبياً لتخزين الكربون، وربما حتى التخلص من ثاني أكسيد الكربون مباشرةً من الهواء». واتفق دكتور غاريث جونسون، وهو خبيرٌ آخرٌ من جامعة إدنبره الأسكتلندية لم يشارك في البحث الجديد، على أن هذه تُعَدُّ «خطوةً كبيرةً إلى الأمام». وقال: «تم التحقق من تخزين الكربون عبر هطول الأمطار المعدنية على مدى العقود الماضية، لكن كما هو الحال مع احتجاز الكربون في محطات توليد الطاقة، أو المصادر الصناعية والتخزين الجيولوجي المرتبط بها في الأحواض الرسوبية، غالباً ما تواجه عائق الطاقة والمال». وأضاف: «على الرغم من أنه من الواضح أنه في مرحلة مبكرة، فإن الأبحاث التي تشرح طريقة أقل كثافة في استهلاك الطاقة وأقل تكلفة لترسيب الماغنسيت هي موضع ترحيبٍ كبير».

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This