صادف في منتصف الشهر الحالي  آب- أغسطس، الذكرى السنوية الأولى  لإبرام إتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق – وهي معاهدة عالمية لحماية صحة الإنسان والبيئة من الإنبعاثات البشرية، ومن إطلاقات الزئبق ومركباته . وتحمل هذه الإتفاقية إسم مدينة يابانية، شهدت موت الآلاف من الأشخاص، من جراء تسممهم بإنبعاثات الزئبق.

وقد صادقت 50 دولة على الإتفاقية. واليوم، تضاعف عدد الأطراف في الإتفاقية ليصل إلى 95 طرفاً.

وعلى ما يبدو فإن نتائج هكذا إتفاقات دولية، بدأت تعطي ثمارها وتترجم على شكل إنخفاض في نسب الزئبق. فقد تراجعت مستويات الرصاص والزئبق في البحر، هذا ما أظهره بحث حديث أجرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحيث أدى حظر البنزين المحتوي على الرصاص، وإغلاق محطة لتفريغ الزئبق، إلى إنخفاض مستويات التلوّث على مدى فترة ١٠-١٥ سنة. و يبيّن تحليل علماء الوكالة لرواسب جوفية قديمة، في خليج كاريبي أن مستويات الزئبق الكلية (Hg) ، قد إنخفضت  سميتّها إلى حدٍ كبير.

 

النشاط البشري يطلق الزئبق

على الرغم من أن مادة الزئبق تعد من العناصر الطبيعية، إلاّ أن إطلاقها بكميات كبيرة يعود بالدرجة الأولى إلى النشاط البشري. إذ يوجد  الزئبق في قشرة الأرض، ويتم إطلاقه بشكل طبيعي من خلال النشاط البركاني وتآكل الصخور. وهو موجود بأشكال مختلفة، لكل منها درجة متفاوتة من السميّة.

في حين، يساهم النشاط البشري في الجزء الأكبر، من إطلاق الزئبق في البيئة. ففي كل عام، يتم إطلاق ما يصل إلى 9000 طن من الزئبق في الغلاف الجوي، في الماء وعلى سطح الأرض.  إضافة إلى العديد من المواد المستخدمة بشكل يومي.

بينما يحدث التسمم في معظم الأحيان، عن طريق إبتلاع الأسماك الملوّثة والإستنشاق – فالزئبق السائل، الذي كان يستخدم عادة في مقاييس درجة حرارة الجسم، يتبخر في درجة حرارة الغرفة.

غير أنّه بشكلٍ عام، تعتبر جميعها ضارة بشكل متساوٍ، مما يؤثر على الجهاز العصبي، والمخ، والقلب، والكليتين، والرئتين، والجهاز المناعي لجميع الكائنات الحية. ولأن التعرض للزئبق – حتى الكميات الصغيرة – قد يسبب مشاكل صحية خطيرة، بما في ذلك مشاكل صحيّة في الرحم، فقد إعتبرته منظمة الصحة العالمية، أحد أكثر المواد الكيميائية العشرة في العالم، التي تؤثر على الصحة العامة الرئيسية.

 

أنواع الزئبق

يوجد أكثر من نوع من مادة الزئبق، لكل منها تأثير صحيّ محدد. إذ وفق منظمة الصحة العالمية، فإن الزئبق موجود بأشكال مختلفة ، أولي (أو فلزّي) وغير عضوي (قد يتعرّض له الناس من خلال مزاولتهم لمهنهم)؛ وعضوي (من قبيل مثيل الزئبق الذي قد يتعرّض له الناس من خلال النظام الغذائي الذي يتبعونه). وتختلف أشكال الزئبق هذه من حيث درجة سميّتها وتأثيرها، على الجهازين العصبي والهضمي وجهاز المناعة، وعلى الرئتين والكليتين والجلد والعينين.

وفي السياق عينه، تجدر الإشارة إلى أنّه بمجرد إطلاق الزئبق إلى البيئة، فإن بمقدور البكتيريا أن تحوّله إلى مثيل الزئبق الذي يتراكم بعدها بيولوجياً في الأسماك وحيوانات المحار. في المقابل، تتعرّض أيضاً مادة مثيل الزئبق للتضخم البيولوجي، ومن المرجّح مثلاً أن تحتوي الأسماك المفترسة الكبيرة، على كميات عالية من الزئبق، نتيجة تناولها للعديد من الأسماك الصغيرة، التي تكتسب الزئبق من خلال تناولها للعوالق.

أما الفئة الثانية الحساسة لآثار الزئبق، فتتمثل في الأشخاص الذين يتعرّضون بإنتظام (تعرّضاً مزمناً)، لمستويات عالية من الزئبق. كذلك تبيّن أن هناك عدداّ يتراوح بين 1.5 طفل، من كل 1000 طفل و17 طفلاً من كل 1000 طفل، يعانون من ضعف قدراتهم الإدراكية (تخلف عقلي بسيط)، ناجم عن إستهلاك الأسماك الحاوية على الزئبق، وشملت تلك الفئات فئات السكان الموجودة في البرازيل وكندا والصين وكولومبيا وغرينلاند.

 

القاتل الصامت

نظراً إلى العواقب الوخيمة، الناتجة عن التلوّث بمادة الزئبق، فقد أطلقت منظمة الصحة العالمية، عليه لقب القاتل الصامت، إذ إن ذرات الزئبق عديمة الرائحة واللون، وعندما يستنشق الإنسان هذا الهواء، فإن تلك الذرات تدخل للرئة وتصل إلى الدم والمخ، ما يؤثر بشكل كبير على الصحة وحياة الإنسان.

في الجهة المقابلة، حذرت تقارير أممية من خطورة التلوّث، الناجم عن الإستعمال المتزايد لمادة الزئبق في العديد من المجالات، التي صنفت ضمن قائمة المواد الأكثر خطورة على صحة الإنسان، مشيرة إلى أن هناك “تسعة ملايين شخص يموتون سنوياً في العالم، من جراء التلوّث الناتج من إنبعاثات المواد الكيميائية، ومنها الزئبق”.

 

 

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This