لم تستثن الحرائق المستعرة هذا العام لا غابة ولا مرفق عام ، وفي حين أن غالبية المسبّبات تتعلّق بشكل أو بآخر بالإحترار المناخي، إلا أن بعض الأسباب تبقى مجهولة في كثير من الأحيان.
أميركا التي ضاعت بين حريق وغريق، تماماً كاليابان التي غرقت في فيضاناتها والهند التي لا تزال تعاني من فيضان لم يأت مثله منذ 100 عام، انضمّت اليها البرازيل التي التهمت النيران تاريخها وحاضرها، آثارها وتراثها، في حريق طال المتحف البرازيلي الوطني في مدينة ريو دي جينيرو، أكبر وأقدم مؤسسة علمية في البلاد.
احتفل المتحف، الذي كان في السابق مقر العائلة الملكية البرتغالية، بمرور 200 عام على تأسيسه هذا العام ، إلا أن الفرحة لم تتم، فيوم الأحد الماضي الواقع في 2 أيلول – سبتمبر إندلع فجأة حريق كبير بعد الإنتهاء من العمل وإغلاق المتحف دون معرفة الأسباب، فأتى على محتويات المتحف بالكامل رغم مكافحة رجال الإطفاء للسيطرة على الحريق الذي تواصل حتى يوم الإثنين.
تأسس المتحف عام 1818، ويضم العديد من المجموعات المميزة من بينها قطع أثرية مصرية وأقدم حفرية بشرية عثر عليها في البرازيل وحوالى عشرين مليون قطعة من الآثار والتذكارات التاريخية. وأفادت إدارة المتحف على موقعها الإلكتروني بأن المتحف كان يحتوي على 200 قطة أثرية متعلقة بتاريخ البرازيل وبلدان أخرى، وأن العديد من هذه القطع جاءت من أعضاء العائلة المالكة البرازيلية.
تضمنت مجموعة التاريخ الطبيعي عظام الديناصورات وهيكلا عظميا بشريا يبلغ عمره 12000 عام وكان المتحف يضم قطعا أثرية وعلمية نادرية من بينها أحفوريات وأكبر نيزك تم اكتشافه في البلاد. وتضمنت مجموعة التاريخ الطبيعي عظام الديناصورات وهيكلا عظميا بشريا يبلغ عمره 12000 عام لسيدة تعرف باسم “لوزيا”، وهو الأقدم في الأميركتين. وكان يعرض أيضا قطعا تاريخية منذ وصول البرتغاليين في القرن السادس عشر وحتى إعلان الجمهورية في عام 1889، بالإضافة إلى أرشيف ضخم حول مجتمعات البرازيل الأصلية. ونقلت العائلة الملكية في البرتغال المحكمة إلى المبنى في عام 1808، عندما واجهت البلاد خطر الغزو من نابليون. كما تم عرض أعمال فنية ومصنوعات يدوية من العصر اليوناني الروماني ومن مصر أيضا.
من جهته، أعرب رئيس البرازيل ميشيل تامر، عن حزنه العميق لما حدث قائلاً: “يوم حزين لكل البرازيليين، بعد خسارة 200 عام من العمل والبحث والمعرفة”. أما وزير الثقافة البرازيلي سيرجيو سا ليتان فقد أعلن يوم الإثنين عن خطط إعادة بناء المتحف الوطني في ريو دي جانيرو، الذي أتت عليه النيران، وقال في بيان رسمي إن العمل على مشروع إعادة بناء المتحف الوطني سيبدأ غداً، وأكّد أنه أمر بالقيام بفحص كامل لشروط السلامة ضدّ الحرائق في جميع المتاحف الفيدرالية لتحديد التدابير التي يجب اتخاذها. وأضاف أنه تم إنقاذ بعض قطع المتحف.
بينما قال روبرتو روبادي، المتحدث باسم إدارة مكافحة الحرائق في ريو ، إن صنابير مياه الحريق القريبة من المتحف لا تعمل واضطر رجال الإطفاء الـ 80 للحصول على المياه من بحيرة قريبة وسيطروا على الحريق بشكل كامل بحلول منتصف ليل الأحد بالتوقيت المحلي.
لم يكن الخبر عن الحريق عرضياً، بل تناولته مختلف وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة في مختلف بلدان العالم.. ورغم عدم إمكانية تعويض الخسارة المعنوية التي منيت بها البرازيل وكل الدول المحافظة على بعض آثارها في المتحف، إلا أن السيطرة على الحريق دون تسجيل أي إصابة بشرية كان المعزّي الوحيد !!