قلة من المواطنين تعرف أهمية الوطواط في المنظومة البيئية، وكثير منهم لا يدركون قيمة هذا الكائن في الطبيعة، لكن عندما يتأكدون أن نوعا منها، ولا سيما الذي يتغذى على الحشرات، رغم ضآلة حجمه “يلتهم نحو 800 حشرة في الساعة”، بحسب ما أشار لـ greenarea.info رئيس “مركز التعرف على الحياة البرية” الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية كلية العلوم – الفرع الثاني البروفسور منير أبي سعيد.
في بعض الدول الأوروبية، ولا سيما في المدن المكتظة بالسكان، تقوم المجالس المحلية بتوزيع أعشاش خشبية ليتكاثر الوطواط ويساهم في القضاء الحشرات من جهة، وفي الحد من استخدام المبيدات التي غالبا ما تلوث الهواء والتربة والمياه، أما في لبنان فتتعرض مستوطنات الوطواط بسائر أنواعه للحرق والتدمير لمجرد اللهو والعبث.
فقد استهدف مستوطنات الخفافيش (الوطاويط) في منطقتين الأولى في جبل لبنان والثانية في الشمال، عبر إطلاق النار عليها وحرقها بمادة المازوت، ما أدى إلى القضاء على كائن هام في المنظومة البيئية، وها نحن نشهد آثار هذه التعديات، مع ما نعاني من ازدياد في أعداد الحشرات وما يواجه القطاع الزراعي من أمراض وآفات.
أبي سعيد: تهديدات عدة
وأشار أبي سعيد، وهو عضو الهيئة الإستشارية في منظمة Eurobats الأوروبية التي تعنى بالحفاظ على هذه الكائنات إلى أن “هناك حماية للوطواط في مختلف أنحاء أوروبا”، وعزا ذلك إلى “أهميتها في المنظومة البيئية”.
وقال: “فيما كنا نتابع مستعمرات عدة للوطاويط في لبنان قبل أسابيع عدة، فوجئنا بأن مستعمرتين منها تم تخريبهما بالكامل، الأولى في جبل لبنان يبلغ تعدادها حوالي 500 قتل منها حوالي مئة من خفاش الفاكهة المصري Egyptian fruit bat، واسمه العلمي Rousettus aegyptiacus والثانية في الشمال ويبلغ تعدادها حوالي 150خفاش من نوع خفاش فأري الأذن الكبيرة Egyptian fruit bat، واسمه العلمي Myotis myotis وهي من أكبر المستعمرات في الشرق الأوسط وقد قضي عليها بالكامل”.
ورأى أنه “إذا استمر الحال على ما هو عليه، فمن الممكن أن تنقرض”، لافتا إلى “اننا لن نعرف قيمة هذه الكائنات إلا حين نخسرها”.
وأشار إلى أن “الوطواط يواجه تهديدات عدة أولها الخرافات والشائعات والموروثات الشعبية”.
حقائق مدهشة
وأضاف أبي سعيد: “إن الوطواط حيوان سري، ينشط في الليل ومن الصعب مشاهدته، ولذلك ارتبط الوطواط بأذهان الناس بالأشباح والساحرات والعفاريت التي يخافها الناس، لكن للوطاويط حقائق مدهشة يجب أن يعيها الإنسان، فباستطاعة 20 مليون وطواط مكسيكي التهام 13 ألف طن من الحشرات خلال ليلة صيفية واحدة، كما تفتح بعض النباتات زهورها خلال الليل فقط ولفترة محدودة بعد الغروب لتقوم الوطاويط بتلقيحها، ويحتوي لعاب الوطواط المصاص للدماء مخدرا يفقد إحساس الحيوان بالوخز، كما أن البروتين المضاد للتخثر الذي استخرج من لعاب الوطواط المصاص للدماء يذوب جلطات الدم الخطيرة بسرعة أكبر بمرتين من أي مادة قيد استعمال حاليا”.
وقال: “قدرة الاهتداء بالصدى لدى الوطاويط دقيقة جدا، بحيث يمكنها أن تتفادى عقبات تزيد عن قطعة خيط، وتأسر حشرات طائرة صغيرة جدا حتى في الظلام الدامس.
حماية الوطواط
وأشار أبي سعيد إلى أنه “لا يوجد في لبنان حيوان متخصص بافتراس الوطاويط، وليست الوطاويط عادة بحاجة لسرعة تكاثر كبيرة لتعويض أي تناقص في أعدادها بسبب تعرضها للافتراس”.
وأردف: “إن الإنسان هو العدو الأخطر الوحيد للوطاويط بسبب تدميره لمستعمراتها، وهذا يضعف من قدرتها على زيادة أعدادها فلا يمكنها تعويض خسائرها”، لافتا إلى أن “الوطاويط حساسة جدا لأي اضطرابات، خصوصا في أماكن مبيت جماعاتها، مثل أسرها أو تطهير الكهوف بالدخان، أو بمجرد الدخول إلى الكهوف ما يؤدي أحيانا إلى اختفاء الوطاويط وتناقص جماعاتها”.
ورأى أن “فقدان الوطاويط سيؤدي إلى ازدياد استخدام المبيدات الكيميائية للحشرات، الأمر الذي يعرض النظام البيئي بأكمله للخطر، مع ما يحتويه من نباتات وحيوانات، وقد يصل الأمر إلى الإضرار باقتصاد البشر”، وأشار إلى أن “الوطاوط حول العالم مهددة بالانقراض، أو معرضة لخطر التناقص بسبب الاستعمالات المفرطة للمبيدات الحشرية، ودمار مواطنها”.
ودعا أبي سعيد إلى “الحفاظ على هذه الكائنات ومواطنها البيئية نظرا لفوائدها الاقتصادية الكبيرة في الحياة الطبيعية اللبنانية”، وشدد على ضرورة “الحد من إزعاجها خصوصا أثناء سباتها”، وطالب “الناس باحترام هذه الكائنات المهمة”.
نشاطات توعوية
ودعا أبي سعيد إلى “المشاركة في النشاطات التوعوية الخاصة بالخفافيش ومنها ليلة الخفافيش العالمية (الوطاويط) التي تقام سنويا بالتزامن مع دول كثيرة في العالم في مركز التعرف على الحياة البرية في مدينة عاليه، فضلا عن المشاركة في نشاط سيقام قريبا في منطقة عنجر يهدف للتوعية خصوصا لدى الجيل الجديد حول أهمية الخفاش”.
أما من دمر هاتين المستعمرتين، فلا أحد يسأل ولا من يحاسب، وإلى الآن لم نسمع بأن الجهات المعنية في وارد التحقيق، ما يعني استمرار الفوضى والقضاء على ما بقي من عناصر الطبيعة المهمة لبقاء الإنسان بعيدا من الأمراض.