عبر التاريخ عرف لبنان بجباله المكسوة بالغابات التي كانت موائلا للحيوانات البرية من ذئاب وضباع ودببة وبنات آوى والغرير والطبسون والغزلان البرية والثعالب وغيرها ، هذه الحيوانات بعضها إنقرضت والبعض الآخر شارفت على الإنقراض بسبب التهديدات التي تعرضت لها والتي بمجملها تسبب بها الإنسان بشكل أو آخر .
مع انحسار المساحات الحرجية والغابات وغلبة الإسمنت على الطبيعة ، لم يعد للبقية القليلة المتبقية من الحيوانات البرية مكانا تلوذ إليه بعيدا عن عين الإنسان ، فالغابات تقطعت أوصالها وشقتها الطرقات التي تستخدمها الحيوانات ليلا لتعبر من مكان الى آخر ولسوء حظها نالت تهديدا اضافيا يطال يحصد حياة العشرات منها يوميا وهو الدهس بالسيارات عمدا وبغير قصد.
من وقت الى آخر تصلنا تبليغات في GreenArea الدولية عن تعديات على الحياة البرية، يقوم بها مواطنين ويوثقونها بطريقة تنم عن جهلهم، فيتكلمون عن أعمالهم وكأنها بطولات تستحق التقدير، يتفاخرون بالقتل وكأنه إنجاز ، دون أن يدروا أهمية كافة المخلوقات التي تعيش في محيطهم برا وبحرا وجوا، وأن إنقراض أي نوع هو تهديد للتنوع الحيوي، وأن كافة المخلوقات هي جزء مهم من العناصر التي كونت البيئة سواء اعتبرها الإنسان ضارة أم نافعة أم لا حاجة له بها.
فيديو اليوم وصلنا عبر ناشطين في حماية الحياة البرية، لم تتضح تفاصيل المكان أو الزمان فيه، ولا حتى هوية الأشخاص، لكنه كان مستفزا لأنه يوثق الأذية التي ينتهجها بعض الناس لمجرد التسلية، فالفيديو يوثقه شابان في سيارة يطاردان ضبعا وصل الى الطريق، ومن يشاهد الفيديو لا بد وان يستفزه سؤال الشاب لرفيقه :”مسدسك معك” فيجيبه:”لا” ومن ثم يطلب منه أن لا يقتله دهسا تحسبا من أن يصيب سيارته مكروها فيقول له ” لو ما هيك حرام ما نقتله” ويتابع السائق مطاردة الضبع مع أحاديث تنم عن عدم معرفتهم شيئا عن الضباع الى لحظة يغيب الضبع تحت عجلات سيارة ويعلن رفيق السائق انه قتل.
ينتهي الفيديو ولا تنتهي الصدمة لدى من يشاهده، فالضبع لم يتعد على أي أحد، ولم يشكل خطرا لأي كان، كل ما حصل هو تعمد قتل مخلوق لم يكن بوسعه حتى الفرار خوفا من السيارة التي تلاحقه، ما يثبت أنه حيوان ضعيف، يهرب من الإنسان عند مشاهدته ولا يهاجمه .
في هذا السياق لم يعد خافيا على أحد أن هذه الحيوانات محمية وفقا للقوانين اللبنانية، والإعتداء عليها هو إعتداء على القانون نفسه، وقد آن الأوان للدولة أن تقوم بواجباتها لجهة حماية الطبيعة من العبث والتخريب وما تبقى فيها من حيوانات برية ومعاقبة المعتدين عليها، خصوصا أولئك الذين يعتبرون ملاحقة الضباع والثعالب وقتلها ضربا من من البطولة.
ويهمنا ان نشير وخصوصا لمن لم يعلم بعد أن الضبع المخطط هو حيوان بري شديد الخوف من الإنسان، ولم نسمع يوما بعد أن ضبعاافترس إنسانا، بل على العكس لطالما طارده الإنسان وقتله عمدا وبدون سبب .
تعيش الضباع كما الحيوانات اللاحمة في البرية ،كما أن التمدد العمراني في المشاعات والقرى جعلنا أكثر قربا من القرى، تقتاتالضباع المخططة على الجيف والنفايات، دورها أساسي في النظمالبيئية وتوازنها واستدامتها، كما لها الفضل في الحد من انتشارالأوبئة، ما ينعكس بالفائدة على الصحة العامة والتربة، وغياب هذه الكائنات له تداعيات على حيوية البرية والمناطق الحرجية، وتوازنالنظم البرية وإستدامتها، وهو ما يرتبط إرتباطاً وثيقاً بالمواطنوصحته وأمنه الغذائي المائي.
ختاما إن قتل الضبع المخطط هو جريمة بحق الطبيعة والبيئةوالحياة البرية في لبنان، ويمثل تعد على القانون اللبناني، والتباهيبقتل الحيوانات وخصوصا المهددة بالإنقراض في البرية اللبنانيةلذلك نرى أنه من الضروري التشدد في ملاحقة الفاعلين لوقف هذه الظواهر وحماية الأعداد القليلة المتبقية منها .