أثّرت الحروب التي قادتها الولايات المتّحدة الأميركية وحلفاؤها المستعمرون الجُدد، بشكلٍ كارثيٍ، على الوضع الإنساني في كل البلدان التي عانت من كذبة “الربيع العربي” فمن سوريا الى اليمن، مروراً بالعراق وليبيا ،وحوّلتها تحت غطاء أمّنهُ لها البنك الدولي والمنظمات الدولية الأخرى، التي تدور في فلك الإستعمار، الى مستعمرات غنية، أُفقِرَت شعوبها.
وللحقيقة فإنّ هذه المنظمات تجتهد دائماً في إرسال مبعوثيها لمعاينة أوجاع الشعوب في جميع الدول (ومنها سوريا) التي يريد راعي البقر الأميركي أن تتحوّل الى مزرعة له ولأعوانه من دول الإستعمار الجديد، ليجتهد هؤلاء في إصدار تقارير تحتوي كلاماً معسولاً، حول قضايا مؤلمة ومُرّة مرارة العلقم، فهم يعترفون علانيةً( دون أن يحرّكوا ساكناً في القضية)، أنّ الأطفال يواجهون على جبهات الحروب وفي كل النزاعات حول العالم، مستويات صادمة من العنف، وأنهم يرغمون على حمل السّلاح والقتل، ويتعرضون للإغتصاب وسوء التغذية والأمراض المميتة والتشرد والتهجير واليتم والعبودية وبيع أعضائهم البشرية، وليس آخراً الإدمان على المخدرات وممارسة الدّعارة.
ويعترفون في تقاريرهم أيضاً ،بأن الأطراف المتحاربة تتجاهل بشكل صارخ القوانين الدّولية لحماية الضعفاء والمدنيين العُزّل، وأنّ الإرهابيين أو المجموعات المسلحة (كما يحلو لتقاريرهم المُنَمَقة تسميتها) يستخدمون في كثير من الأحيان النّساء والأطفال كدروعٍ بشريةٍ.
وللأمانة وكي لا نجحد الجهود المبذولة من قبل تلك المنظمات بخصوص ما يجري في سوريا، نذكر أنّه مؤخراً أكّد مدير مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إنه لا يزال هناك مايزيد عن ستّة ملايين نازح في سوريا، ومثل هذا العدد خارجها، وأنهم يفتقدون الى المأوى ويعانون من نقص الخدمات والرعاية الصحية، والأمان وسبُل العيش والتعليم لأبنائهم”.
في حين أوضح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن حوالي 12 مليون سوري فى حاجة الى مساعدات طبية فورية فى جميع أنحاء البلاد.
وقدرت منظمة الصحة العالمية أن واحدا من كل ثلاثين سورياً يعاني من حالات صحية نفسية شديدة، فيما يعاني واحد على الأقل من كل خمسة أشخاص من حالات خفيفة إلى معتدلة في الصحة النفسية مثل الاكتئاب أو اضطرابات القلق(دون الإشارة الى السبب، أو حتى المطالبة بوقف ما يجري).
وصدقاً، لقد غصّت التّقارير الأممية، بعبارات ومفردات، تشرح القلق الشديد لدى المسؤولين في العالم المتحضر، من فظاعة الأوضاع الإنسانية، في اليمن، نتيجة الحرب التي يشنها التحالف الإستعماري بقيادة مملكة الرّمال”السّعودية” وبدعم وتشجيع اميركي بريطاني، ففي بيان له أكد المدير الإقليمي للمنظمة “الصحة العالمية” على أن :حوالي مليوني طفل يمني ومليون و100 ألف امرأة حامل يعانون من سوء تغذية حاد، بينما أفادت تقارير دولية أخرى أن حوالي 11مليون طفل بحاجة الى رعاية صحية، ستة مليون منهم يفتقرون الى المياه النظيفة، وثلاثة ملايين محرومين من التعليم، في حين أن أكثر من مليون شخص مصاب بالكوليرا.
وكي لانظلمها، فإن منظمة “هيومن رايتس ووتش” وفي إحدى تقاريرها، تحدثت عن الإنتهاكات التي تتعرض لها المرأة العراقية بالقول: “لا أحد يأمن انتهاك حقوق المرأة في نظام العدالة الجنائية العراقي”.
فيما أوضحت منظمة أطفال الحرب “ورتشايلد” في تقرير لها أن “أوضاع الأطفال في العراق تمثل واحدة من أكبر الأزمات المهملة في العالم”، مشيرة إلى أن “العراق أسوأ مكان في الشرق الأوسط يمكن أن يعيش فيه الأطفال”.وبيّنت أنه يتم استغلال الأطفال تحت سن 14 عاما في تنفيذ هجمات انتحارية، وأن قرابة 25 في المئة من الأطفال يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة.
ولإنصافها لابد من الإشارة الى أنّ مبعوثة الأمم المتحدة، الى جنوب السودان، ذكرت (ولم تنس) أنه من غير المرجح الإفراج قريبا عن آلاف الجنود الأطفال الذين أجبروا على المشاركة في الحرب الأهلية في جنوب السودان لأن وكالات الإغاثة تفتقر للموارد اللازمة لرعايتهم.
وللأمانة أيضاً، حذرّت منظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة “يونيسيف” من أنَّ أكثر من نصف مليون طفل في ليبيا بحاجة للمساعدة، وأكثر من 80 ألف طفل تعرضوا للنزوح وأنَّ هؤلاء الأطفال يتعرضون بشكل كبير للإيذاء والإستغلال.
لا تزال سوريا وغيرها من الدول التي اجتاحتها موجات “الربيع العربي” المقيتة، تستطلي بأتون الحرب، فيما تُتحفنا المنظمات الأممية بنضالاتها المخملية التي طالما اقتصرت على الشّجب، الإستنكار، والتعبير عن القلق الشديد، اقتصرت على التقارير والبيانات، المؤتمرات والقمم.
منظمات تدفع ملايين الدولارات شهرياً لموظفيها، فقط من أجل صف الكلام وتنميق العبارات كي لاتَجرَح (بياناتها وتقاريرها الأممية) حياء قادة الأمم المُستَعمِرة، والتي تقتل كل أشكال الحياة، بحجة نشر الديمقراطيات وحماية حقوق الإنسان.
عملياً، تحولت هذه المنظمات الى دكانة، تبيع لصاقات ملونة لتجميل الوضع الدولي، قبل وخلال وبعد الحروب. هذه الدكانة التي تملكها الدول الراعية لما يسمى حقوق الانسان والديمقراطية يكثر فيها الضجيج(اللاإنساني) لكن بدون أي طحين(إنساني) يذكر.