لا مستقبل بغير العلم، ولا حياة تنتظم وترقى في مسار تطورها إلا بالمعرفة، بهذه السيرورة الملزمة، نتمكن من مراكمة ثقافة واعية إذا ما أردنا أن نعيش في حاضرةِ العصر، وأكثر ما يبهج الروح أن نرى شابات وشبابا سلكوا دروب المعرفة، واختاروا البحث العلمي مجالا وممرا ليحلقوا في مدى أكاديمي يتقصى العلم منصة لحاضر ومستقبل.
الطالبة ثريا دباغ أخذتنا بالأمس في رحلة علمية جسدت فيها بعض أحلامها في أن تكون حاضرة في ميدان العلم، باحثة ومستكشفة، وقد سلكت طريقا فيه الكثير من الصعوبات والعقبات.
علم عظام السلاحف
ناقشت دباغ رسالة الماجستير في الجامعة اللبنانية – كلية الزراعة في الدكوانة، بإشراف لجنة من الدكاترة ضمت كلا من: محمد ناصر، منى عبود وباسل بزال، وكانت بعنوان: “علم عظام السلاحف ضخمة الرأس” Osteology of the Loggerhead (Caretta (Caretta، بحضور ذويها وبعض الأصدقاء.
بدايةً، قدم دباغ عرضا مصورا عن مراحل بحثها، وناقشتها اللجنة في العديد من الأمور العلمية التفصيلية، وأشارت إلى أنه “خلال هذه الدراسة واجهتها بعض الصعوبات والعقبات البحثية”، لافتة إلى أن “السلاحف البحرية وبالرغم من أن وجودها يرقى لملايين السنين وتمت دراستها من جوانب عدة، باستثناء ما هو على صلة بعظامها وتكونها، بحيث لم أجد، لا في لبنان ولا في العالم، من تناول موضوع دراستي”، وأضافت دباغ: “هذا الأمر وضعني في مواجهة عقبات عدة، تمكنت من مواجهتها بمساعدة الدكتور ناصر”، وبعد حصولها على درجة امتياز تلقت تهاني الحضور.
التجربة الأولى
تحدثت دباغ لـ greenarea.info، فقال: “اخترت هذا الاختصاص لأنني أحب عالم الحيوانات منذ صغري، وقد واجهت الكثير من العقبات، بدءا من تأمين السلحفاة مادة البحث، وهنا أشكر (جمعية Green Area الدولية) التي وفرت لي سلحفاتين نافقتين تباعا، في إطار سعيها لتشجيع البحث العلمي الأكاديمي، وكانت هذه المرحلة بالنسبة لي”.
وأضافت: “لكن مع التجربة الأولى واجهت مشكلة تمثلت في تفكك الهيكل العظمي للسلحفاة الأولى خلال غليها بالماء، وهذا ما وضعني أمام تحد آخر، وهو عدم القدرة على إعادة جمع العظام بسبب أن ليس ثمة دراسة لبنية السلحفاة العظمية، وهنا كان لا بد من تأمين سلحفاة ثانية وضعتها في قفص لثلاثة أشهر كي تتحلل طبيعيا، وكنت أزيل اللحم المهترىء يوما بعد يوم لتتكشف العظام دون أن تهتز، وهنا، تمكنت من إجراء مقارنة بين السلحفاة متفككة العظام وبين السلحفاة مكتملة الهيكل العظمي”.
وأشارت دباغ إلى أن “أهمية هذه الدراسة تكمن في أن التشريح هو القاعدة والأساس للطب”، ولفتت إلى أنه “تمت دراسة أعضاء السلاحف بشكل مفصل دون دراسة العظام على نفس المستوى، ومن هنا، قد يجد الباحث الدليل الذي يريد عن أعضائها الداخلية، ولكن لا دليل بحثيا يتناول تكوين عظامها بالكامل”.
ورجحت دباغ أن تكون “دراستي الأولى من نوعها في العالم، نظرا لأنني بحثت خلال سنتي الدراسة على دليل مفصل ولم أجده، وأكثر الدراسات التي عثرت عليها تناولت مقارنة بين الأنواع”.
بداية الطريق
وعن حاجة لبنان إلى مثل هذه الدراسات، قالت دباغ: “يفتقر لبنان إلى اختصاصيين في الطب البيطري المختص بعلم السلاحف البحرية، وهذا ما أكده الدكتور بزال عن أنكم كـ (جمعية Green Area الدولية) واجهتم هذه المشكلة، واستعنتم بأطباء بيطريين من وزارة الزراعة غير مختصين في معالجة السلاحف لمعالجة السلاحف المصابة”.
وخلصت دباغ إلى أن “لبنان بحاجة إلى مركز متخصص لعلاج سلاحف البحر وسائر كائنات الحياة البرية”، ولفتت إلى أن “الجامعة أثنت على الدراسة التي سيتم نشرها في دوريات علمية متخصصة، وسأسعى إلى نشرها على صعيد عالمي”، وأكدت أن “هذه بداية الطريق لحماية الحيوانات، وطموحي لا يقتصر على الكائنات البحرية فحسب، وإنما أرى أنه من الضروري الاهتمام بالحياة البرية في لبنان بشكل عام”، وأشارت إلى أنه “انطلاقا من قناعاتي من أن ثمة ضرورة لحماية الكائنات المعرضة للانقراض بالعمل وليس بالاعتراض على ما تواجهه من قتل وتعد على موائلها”.
وشكرت دباغ جمعية “الجنوبيون الخضر” التي دفعتني نحو اختيار هذا الاختصاص، و(جمعية Green Area الدولية) التي أمنت لي مادة البحث (السلاحف)، والدكتور محمد ناصر الذي أعطاني من وقته وتابعني خلال سنتين، ومستشفى جبل عامل، ولا أنسى الدعم الأول والأخير الذي قدمته عائلتي وأصدقائي وهم كثر.