لم يكن ثمة من يتوقع أن تتحول قضية تلوث نهر الليطاني منصة لمواجهة الفساد على مستوى إدارات ومؤسسات الدولة، وأن تسلك طريقها نحو القضاء كقضية لا يمكن مواربتها والإلتفاف عليها، لتؤكد مسألتين أساسيتين، الأولى متمثلة في رفع الغطاء السياسي عن الملوِّثين، وهذا ما بدا واضحا مع فشل التغطية على معمل “ميموزا”، والثانية، على صلة بما قد يكون فاتحة لمعركة عنوانها مواجهة الفساد انسجاما مع ما دعا إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وبهذا المعنى تحولت قضية الليطاني إلى عنوان معركة طويلة، أبعد بكثير من مؤسسة رسمية بعينها.

وما يمكن استنتاجه بالاستناد إلى ما حققته “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” يظل متمثلا في أن مواجهة الفساد ممكنة، وأن لا أحد فوق القانون، وأن القوى السياسية في مكان ما لن تكون بقادرة على تغطية الفساد، وقضية الليطاني أكدت أن ثمة إمكانية لكسر جدار الخوف، وترك القضاء في حدود كبيرة يمارس دوره دون إسقاطات وإملاءات أهل السلطة.

فهل يتحول الليطاني “بارومتر” لقياس منسوب الفساد في الدولة، على قاعدة أن المصلحة قدمت نموذجا ومثالا قابلا للتعميم على كافة المؤسسات العامة؟ وهل نشهد أكثر من “انتفاضة” على الفساد في دوائر الدولة؟

 

لا تغطية لملوِّث

 

في الوقائع الجديدة، وفي متابعة للتطورات الأخيرة، ولما آلت إليه الأمور بعد توقيف أصحاب مؤسسات ملوِّثة، وتفعيل دور القضاء، يتأكد حتى الآن أن لا تغطية لملوِّث، وهذا مؤشر

أصدر مدير عام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني الدكتور سامي علوية تعميماً طلب بموجبه من المعتدين الذين اتخذت اجراءات قضائية أو ادارية بحقهم، عدم مراجعة المصلحة مباشرة، وانما المراجعة عبر المرجع الاداري أو القضائي الذي اتخذ أو ينفذ الاجراء، وذلك حرصاً عى سلامة الاجراءات وحفظ الاختصاص.

 

الهيئة العليا للتأديب

 

ومُنع بموجب هذا التعميم جميع مستخدمي أو متعاقدي أو مياومي المصلحة من التواصل مع أي جهة مدعى عليها، أو معتدية خارج إطار مهامه العادية في تنفيذ الاجراءات تحت طائلة إحالة المستخدمين الى الهيئة العليا للتأديب، وفسخ العقود للمتعاقدين وطلب استبدال المياومين بموجب دفتر الشروط، فضلاً عن الملاحقة الجزائية والتأديبية.

 

حق الوصول للمعلومات

 

كما وأعلنت المصلحة أنها لم تتقاضَ أي مبلغ من قانون القانون 63، المتعلق برفع التلوث في حوض الليطاني، وأشارت إلى أن القيام بواجباتها لجهة حماية النهر لم يكلفها أي أعباء إضافية، وأكدت أنها تودع كل المعطيات في هذا المجال بتصرف الرأي العام، عملا بقانون حق الوصول للمعلومات.

هذان الإجراءان جاءا توازيا مع إعلان “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” أن إنتاج معامل الليطاني في ارتفاع مستمر مع زيادة المتساقطات، وبعد استكمال محاكمة ملوِّثي الليطاني ومثول نافذين تحت قوس القضاء.

 

يوم تاريخي

 

لم يكن يوم الثلاثاء الماضي 18 كانون الأول (ديسمبر) يوما عاديا في تاريخ الليطاني، فقد تم النظر بحوالي 35 دعوى وإخبار تابعها القاضي محمد شرف في قصر العدل في زحلة، في حضور الملوِّثين المدعى عليهم ومحامي الادعاء وأعضاء من “مبادرة وعي” والمتضررين ومثلي وسائل الإعلام، واستكمل في اليوم نفسه قاضي التحقيق الأول في البقاع عماد الزين التحقيق في قضية معمل “ميموزا”، وأصدر النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم قرارا قضى بإعادة توقيف رئيس بلدية قاع الريم وسيم التنوري (ميموزا) وأربعة ملوِّثين آخرين.

وفي هذا السياق أيضا، أصدر محافظ الجنوب منصور ضو قرارا بإقفال “مسلخ فروج مازح” الذي كان يلقي مخلفاته في قناة ري القاسمية، ولم يعد خافيا على أحد أن حاجز “المحسوبيات” تهاوى أمام القضاء، خصوصا وأن الادعاء طاول شركتين يشغل أصحابهما مناصب سياسية مهمة، وهما “شاتو كفريا” التي يملك أسهما فيها ويشغل منصب رئيس إدراتها النائب السابق وليد جنبلاط، و”ماستر شيبس” التي يملكها النائب ميشال الضاهر.

 

الكف عن التدخل في القضاء

 

تجدر الإشارة إلى أن الجلسات انعقدت أيضا للنظر في 39 ملف يوم الخميس الماضي 20 كانون الأول (ديسمبر)، ولم يقل هذا اليوم أهمية عن الثلاثاء الذي سبقه، فأهالي بلدة حوش الرافقة، بمشاركة “لجنة إنقاذ نهر الليطاني” (شباب حوش الرافقة)، بالتزامن مع انعقاد الجلسة، نفذوا وقفة تضامنية مع مصلحة الليطاني في مواجهة الملوثين، وطالبوا جميعا بـ “الكف عن التدخل في القضاء في قضية تلوث الليطاني، خصوصا وأنهم لهم حصة الأسد من حيث حالات الوفاة الناجمة عن أمراض السرطان المرتبطة بالتلوث، وقد أبدوا استياءهم من تدخل بعض السياسيين لمساعدة المعتدين على النهر والناس.

 

تدبير احترازي

 

كما وطالبت “المصلحة الوطنية لنهر الليطاني” عبر وكيلها المحامي علي عطايا بتدبير مؤقت إلى حين إصدار الأحكام، ويقضي باتخاذ تدبير احترازي لمنع الادعاء عليهم من التصريف في النهر لحين اتخاذ الإجراءات الفنية، إذ لا يجوز الاستمرار بارتكاب الجرم في ظل محاكمة جزائية، وتسيير الجلسات بشكل ملتزم، حيث يتم تعيين خبراء للكشف على المؤسسات التي باشرت باتخاذ إجراءات احتياطية، لمنع التصريف والالتزام البيئي.

وتم إرجاء الجلسات إلى 7 و16 كانون الثاني (يناير) بعد أن تعهد معظم المدعى عليهم بإيقاف التلويث، وتسهيل مهمة الخبير المولج الإشراف على الإجراءات المتخذة من قبلهم، وتمكين المصلحة من الكشف الدوري على منشآتهم، في حين أرجىء النظر ببعض الملفات التي تقدم أصحابها بدفوع شكلية وطلبات استمهال.

 

c
e
d
f

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This