تفوَّق الرئيس الأميركي “باراك أوباما” ، من حيث النشاط الإستعماري، على سلفه الرئيس “بوش” الإبن، لا بل وعلى “بوش” الأب ( فترة حكم الصقور)، ففي آخر سنوات حكمه ألقت القوات الأميركية حوالي 26 ألف قنبلة، على أماكن متفرقة في العالم، وبالأخص في الشرق الأوسط، بمعدل 72 قنبلة في اليوم، و3 قنابل كل ساعة، وتدخلت في 138 بلداً حول العالم، وهو ما يرتفع بنحو 130% عما حدث في عهد سلفه “بوش”. بحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية، وكانت سوريا من بين تلك البلدان، حيث دخلها الجيش الأميركي، بحجة محاربة الإرهاب(الذين يمولونه)، بحجة “الحرب على الإرهاب” ونشر الديمقراطية والحريات، في سوريا، وبأموالِ “مملكة الرّمال” واخواتها من بعض دول الخليج.
وكانت أميركا تُعلن كَذِباً، بعد جميع الحروب التي تشنها، أنها ارتكبت خطأً فادحاً، وأنَّ خسائرها في تلك الحروب كانت فظيعة، فبعد 17 عاماً من دخلوها أفغانستان، بحجة تخليصها من الخطر السوفياتي (الشيوعي)، أعلن ترامب نفسه أنّه “تمّ إنفاق 11 تریلیون دولار، وأنّ الجیش الأمیركي قدّم 20 ألف قتیل وجریح في أفغانستان”، وبعد حروبهم الشرسة على منطقة الشرق الأوسط بحجة القضاء على الإرهاب، والتخلص من أسلحة الدمار الشامل (سوريا،العراق) خرجَ “ترامب” ذاته ليعلن “أن بِلادَه أنفقت في منطقة “الشرق الأوسط ” أكثر من سبعة تريليونات دولار ولم تَحصل على شيءٍ في المُقابِل”.
كَذِباً، أعلن ترامب أن بلاده لم تَحصل على شيءٍ في مُقابِل، كل حروبها في المنطقة، وأنه غير مستعد لأنّ تكون بلاده “شرطي العالم”، علماً أنّهم نهبوا ثروات العراق، ليبيا، اليمن وسوريا ولا يزالون، ونشروا قواعدهم العسكرية، وأجروا دراسةٍ لوجستيةٍ وتجسسية في الوطن العربي من مشرقهِ الى مغربهِ، كخدمة للكيان الصهيوني “إسرئيل”.
كَذِباً، يحتلون البلدان ويدمّرون الأمم، ومن ثمّ يدّعون أّنّه تمّ تضليلهم بمعلومات زودتهم بها وكالة الإستخبارات الأميركية، ففي كتابه “دروس في القيادة والحياة” ، اعترف وزير الخارجية الأميركي السّابق “كولن باول”، بالنّدم على اتهاماته الظالمة للعراق، بامتلاكها لأسلحة الدمار الشامل، وقال أنّ المخابرات المركزية الأميركية قد شاركت في فبركة تلك الكذبة” (كذبة التي دمرت العراق أرضاً وشعباً).
كَذِباً، كانوا يعلنون إنسحابهم من البلدان التي يغزونّها، فقد أعلنّوا إنسحابهم من “افغانستان” سبعة عشر مرة خلال سبعة عشر عاماً من احتلالهم لها، ،غير أنّهم ما زالوا هناك، كذلك أعلنوا في عام 2011 انسحابهم من العراق، لكنهم لا يزالوان هناك، لا بل ومصرون على بقائهم فيها، حيث نفى “ترامب” وجود أي خطط لدى الولايات المتحدة للإنسحاب من العراق، قائلاً: “في الحقيقة بإمكاننا استخدام هذا كقاعدة في حال أردنا القيام بشيء في سوريا”.
كَذِباً، أيضاً كانت الولايات المتحدة الأميركية وحلفها الإستعماري، يصنعون شياطين وملائكة من الحكام والأنظمة بحسب هواهم، وليس من أجل نشر الديمقراطية والحريات أو بهدف نزع السلاح، فقد أرسلوا إلى سوريا، منذ ثمان سنوات، مُختَلَف الفصائل الإرهابية ومولّوها بالمال والسلاح والرجال، ودربّوها على أيدي ضباط إسرائيليين، ومن ثم دعمّوا الحركات الإنفصالية “قسد” ليتخلى “ترامب” عنهم، في ليلةٍ ظلماء، معلناً انسحاب قواته من سوريا(لم يعلن العدد الحقيقي حتى يومنا هذا غيرَ أنَّ الخبراء يقولون أن العدد يتراوح بين 2000-5000عسكري).
قرار”ترامب” التَّاجِر الذي يُؤمِن بِلُغة الأرقام، ويتعاطَى مع الأُمور بميزان الرِّبح والخسارة، بسحبِ قوّاته من سوريا، والمتواجدة في المناطق الغنية باحتياطات النِّفط والغاز السوريّة، جاء بعد حَرب استنزاف مادِيّة وبَشريّة، و بعد أن أدركت الإدارة الأميركية أن هناك حصاد وفير، نَتَجَ عن التدخّل الأميركي المباشر منذ أيلول ٢٠١٤ لم يعد فيه ما يُغري، كما جاء بعد خِلافات في الدولة العمقية في واشنطن، وخاصة بعد أن صوَّتَ “مجلس الشيوخ، لصالح قرار ينهي المساندة العسكرية الأمريكية للتحالف العربي بقيادة السعودية في حرب اليمن” (كعقوبة لها على ارتكابها جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي)، وربما يكون ذلك الإنسحاب عبارة عن مقايضةٍ خطيرةٍ وكبيرةٍ مع تركيا على قضية “الخاشقجي”، بحيث تُسلم أنقرة كل ملفات القضية الى “ترامب”، مقابل أنّ يترك لها الأكراد كلقمةٍ سائغةٍ، بعدها يبيع “ترامب” الملفات الى “مملكة الرمال” بعشرات مليارات الدولارات، والإحتمال الأخير هو أن القرار إِتُخِذَ لإعتباراتٍ عسكريةٍ تِصبُ في مصلحةِ اسرائيل، بحيث يعطيها استراحة محارب، تُساعدها في الإعداد والتّمهيد لحربٍ أوسع وأشمل، تحقق للولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية، ما لم تستطع العمليات العسكرية الأميركية تحقيقه منذ أيلول ٢٠١٤.
خروج الجيش الأميركي من سوريا، يمكن مقاربته مع خروجه من وحول الحرب في فيتنام، حيث تلقى الرئيس الأميركي “ليندون جونسون” حينها رسالة ممن كان يُطلق عليهم “الحكماء”، (وزراء الدفاع، الخارجية، وغيرهم من السّاسة و جنرالات الحرب العالمية الثانية المتقاعدين)، مفادها “إن الحصول على نتيجة مُرضية في فيتنام، هو بمثابة “أمل بعيد المنال”، وأن الإستمرار في تلك الحرب سوف “يؤذي المصالح الأميركية الكبرى في العالم” ، شكلت تلك الرسالة بالإضافة الى إحتجاجات الشعب الأميركي ضد التدخل الأميركي في جنوب شرق آسيا، رسالة ضغط قوية أدت في نهاية المطاف الى إنسحاب الجيش الأميركي من أراضي الفيتنام.
وبما أنَّ “ترامب” سمسار سياسي، يعمل وفق مبدأ الربح والخسارة، ولاشيء في قاموسه مجاناً، فلا بد أن يكون في حساباته من يدفع ثمن انسحابه من سوريا(هذا إنّ حصل)، وفي حال صَدَقَ “ترامب” فهل انتهت الحرب في سوريا؟ ومن سيُعيد إعمار البلاد والعباد؟.