سنة 2018، كانت سنة قاسية على كل لبنان. إستمر فيها التراجع العام لبيئة لبنان، الذي نأمل أن يتم لجم تسارعه الإنحداري مع الحكومة الجديدة وخلال العام القادم. على الرغم من بعض الإضاءات، التي نأمل أن تستمر، اتساعا وقوة وفعالية في العام القادم.
لن نفقد الأمل ولن نستسلم لليأس، بل دعوتنا أن نستمر بالعمل من أجل وقف السياسات المدمرة، واعتماد الخيارات السليمة، لحماية مواردنا الطبيعية من ما تعانيه على امتداد العقود الثلاثة الماضية ولا تزال.
السنة كانت قاسية، فنصفها الأول كان حملات إنتخابية، على حساب ما كان ينتظره اللبنانيون من إنجازات في تحسين معيشتهم، وفي حماية بيئتهم، وفي معالجة حالات التدهور الفظيع، التي عرفتها أوساطنا البيئية المختلفة، وتركت آثارها الخطيرة على حياة الشعب اللبناني وأوضاعه الصحية. ونصفها الثاني، كان في ظل حكومة تصريف أعمال، التي تستمر إلى ما بعد رحيلها، لم يتحقق فيها شيئا من شأنه أن يخفف التدهور، الذي تعيشه حالة البيئة في لبنان منذ سنوات.
عرف هذا العام استمرارا في تدهور كل ملفات البيئة، وتتابع نهش الجبال والهضاب، وتدمير الغابات والغطاء الأخضر بـ”مهل إدارية” للمقالع والكسارات والمرامل، دون الإلتزام بأي من الأنظمة، التي ترعى هذا القطاع، وبتجاوز آليات سلامة العمل فيه، ترخيصا واستثمارا وتأهيلا. وعرف العام أيضا، استمرارا لتلوث الهواء في المدن والمناطق الصناعية، من مصادر قطاع النقل والمؤسسات الصناعية وسوء إدارة النفايات على أنواعها، بل توسع ليشمل المناطق الجبلية والريفية، مع انتشار المكبات العشوائية في المزيد من المناطق، والإستمرار في الحرائق العشوائية لهذه المكبات، ولكل مواقع رمي النفايات، ما أدى إلى وصول تلوث الهواء إلى مناطق جديدة لم تكن تعرفه من قبل.
عرف العام ازديادا لكميات المياه المبتذلة غير المعالجة، التي ترمى في البحر على امتداد الشاطيء اللبناني، والتي ترمى في الأنهر والمجاري المائية. ولم يشهد العام أي تشغيل فعَّال لمحطات جديدة لمعالجة مياه الصرف الصحي. وبقي نهر الليطاني وروافده وحوضه، كما البحر وغيره من الجداول والأنهار، يستقبل المزيد من تدفقات الصرف الصحي والصرف الصناعي غير المعالجة، مسببة مستويات أرفع من التلوث الجرثومي والعضوي والكيميائي.
ثلاثة أحداث كبرى شهدها هذا العام. أولها، الإمعان في تلويث وردم البحر وسوء إدارة الشواطيء، باعتبارها آثارا ناتجة عن سوء خيارات إدارة النفايات. تجلى ذلك مع قرار توسعة المطمر غير النظامي في الكوستابرافا، حيث أدى ذلك ويؤدي إلى زيادة المساحة المردومة من البحر على هذا الشاطيء، مع زيادة كبيرة في كمية النفايات، التي ستطمر في هذا الموقع، الملاصق للمدرج الغربي لمطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، مع ما يرافق ذلك من آثار ومخاطر، تتعلق بالسلامة والصحة العامة.
ثاني هذه الأحداث، إقرار القانون المسمى “الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة”، وهو حدث على غاية في الخطورة، نظرا لاحتوائه الكثير من مكامن الضعف والشوائب والأخطاء، من جهة. ولكونه ليس أكثر من ضوء أخضر لإطلاق خيار المحارق المركزية وغير المركزية، التي ستعم المناطق اللبنانية كافة، مع كل ما تشكله من مخاطر كبيرة على البيئة والصحة العامة وحسن إدارة المال العام، من جهة أخرى. إن أخطر ما في هذا القانون، هو تمرير “استيراد” النفايات الخطرة، وذلك في المادة 26، والمادة 27 منه، وكذلك الحديث عن السماح بخلط النفايات الخطرة مع غير الخطرة. إن هذا القانون، بالصيغة التي أقر فيها، يشكل تراجعا استراتيجيا خطيرا بآثاره الكارثية على البيئة والصحة العامة والمال العام في الملف البيئي الأكثر سخونة، ملف إدارة النفايات.
الحدث الثالث، الذي نعتبره من الأحداث الأكثر أهمية للعام 2018 على مستوى البيئة وسياساتها، تمثل في ما نسميه الإنتفاضة المباركة لـ”المصلحة الوطنية لنهر الليطاني”، التي انتفضت للدفاع عن صلاحياتها أولا، ولرفع التعديات عن أملاكها ومشاريعها ومنشآتها ثانيا، ولمواجهة مصادر التلوث على نهر الليطاني وروافده وحوضه، الصناعية والصرف الصحي، ثالثا. لأول مرة منذ ثلاثة عقود نشهد هذه الحملة الواسعة والمنظمة والمعللة بالدراسات والتحاليل والتقارير العلمية الموثوقة، المرفقة بدعاوى قضائية لردع الملوِّثين، الذين تمادوا في استهتارهم، متكئين على حماية ودعم وتغطية من بعض القوى السياسية النافذة على مدى سنوات طويلة. ولأول مرة يتم هدم منشآت قائمة مخالفة ومتعدية على أملاك المصلحة. وربما هي المرة الأولى، التي تهدم فيها هذه المنشآت، بدل الذهاب إلى تسويات يكون فيها الحق العام ضائعا لصالح المتعدين وعباءاتهم السياسية الظالمة.
إن أسوأ ما شهدته الأيام والأسابيع الأخيرة لهذا العام، تلك الجهود المبذولة لإفشال حملات ودعاوى المصلحة الوطنية لنهر الليطاني على المؤسسات الملوِّثة، والإستمرار في تمديد المهل والتساهل وتأجيل ما ينبغي أن تقوم به هذه المؤسسات من معالجة كاملة وفعالة لتدفقاتها الملوِّثة، لكي تتوافق مع معايير النوعية البيئية الوطنية، قبل التخلص منها في أوساط البيئة المختلفة، أو في شبكات مجارير الصرف الصحي المربوطة بمحطات عاملة للمعالجة الفعالة.
لن نفقد الأمل، وسنتابع النضال من أجل حماية بيئة لبنان وصحة شعبه، ولمواجهة نهب المال العام ومصادرة الأملاك العامة واستنزاف موارد لبنان الطبيعية، التي هي ملك للشعب اللبناني بكل أجياله الآتية.