ما نَهَلَهُ الرَّئيس الرُّوسي “فلاديمير بوتين”، من العلوم السياسيَّة، في أروقة الكرملين خلال عقودٍ مِنَ الزمن، وربما حنكته الفائقة، دفعاه الى التشكيك في قرار نظيره الأميركي دونالد ترامب (قائد التَّحالف الإستعماري الدُّولي في الحرب على سوريا) بالإنسحاب من سوريا، بقوله: ” للولايات المتحدة حضور في أفغانستان منذ 17 عاما، وكل عام يتحدثون عن الإنسحاب من هناك، لكنهم ما زالوا موجودين”. بوتين يعرف تمام المعرفة أنهم(دول التحالف) يمتهنون الكذب للسيطرة على الشعوب والأمم، ولديه معرفة واسعة بتاريخ تلك الدول والممالك الاستعمارية، وكيف أنهم يستخدمون كذبة قانونيَّة بشعة، “التدخُّل الإنساني”.
فمُثَلث التحالف الإستعماري (الولايات المتُّحدة الأميركيّة، بريطانيا وفرنسا)، الذي أعلنَ، قبلَ أيامٍ، بدء عملية الإنسحاب من سوريا، هو من جلب كل الجيوش المأجورة (بلاك ووتر وأخواتها)، والإرهابييّن الخارجين عن القانون، من أربعِ جهاتِ الأرض، فدربهم على أيدي ضباط أقل ما يُقال فيهم أنهم مُجرمي حروبٍ وقتلةٍ محترفين، ليدخل هؤلاء الرُّعاع الى سوريا، بحجةِ تخليصِ الشَّعب السُّوري من إضطهاد النظام، ومنحه حريته وحقوق الإنسَّان.
فعادَ بالبلاد مئات السّنين الى الوراء، حيث هُجِّرَ ملايين البشر من منازلهم (داخليَّاً وخارجيَّاً)، دُمِّرَ الإقتصاد، حُرمَ ثلاثة ملايين طفل من الذهاب الى مدارسهم، انتشرت بفضل تلك الكذبة الأمراض السَّارية والسَّرقة والإتّجار بالأعضاء البشَّرية، وعادت تجارة البشَّر والمخدِرات وغيرها، من مظاهر لم تكن أساساً من صفات المجتمع السُّوري.
ورغم كل الفوضى والدمار الذي جلبته حربهم علينا، على مدى ثماني سنوات وأكثر، أعرب وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، عن أسفهِ لعدم إقدام الرئيس السابق “باراك أوباما” على قصف سوريا انتقاماً لاستخدام القوات الحكومية أسلحة كيميائية في الحرب( الكذبة التي أصبحت ممجوجة في أروقة الأمم المتَّحدة ومجلس الأمن الدُّولي)، ويرى بومبيو أن جل ما تعلمه الأميركيون وحلفاؤهم، هو أنَّه “عندما تنسحب أميركا تحل الفوضى”!!!
لكن بومبيو لم يكن السبَّاق، في التمهيد للتدخل (الغزو) الأميركي، في شؤون الدول، سواء بشكلٍ مباشرٍ أم غير مباشرٍ، فقد قام المجرم الدبلوماسي “كولن باول” أيام كان وزيراً للخارجيَّة الأميركيَّة، بزيارة إلى “دارفور”، في غرب السُّودان، الإقليم الذي يحوي على حوالي 52 ألف كيلومتراً مربعاً من البترول عالي الجودة بالإضافة إلى اليورانيوم، وأدان حكومة الخرطوم لعدم وفائها بتعهداتها المُتعلقة بنزع سلاح ميليشيات “الجنجويد”، فلعبت القوى الإستعماريَّة (الإتحاد الأوروبي والناتو) بقيادة راعي البقر الأميركي، على وتر الوضع الإنساني المتردي، وغذَّت النِّزاعات العرقيَّة ، فكانت النتيجة تفكيك السُّودان، وإفقار شعبهِ أكثر وأكثر.
هذا فيما لم يتوانى الرئيس الأميركي “السِّمسار” دونالد ترامب، في وصف “هايتي” وبعض الدول الأفريقية بـــ”الأوكار القذرة”. علماً أن بلاده وبحجَّة التَّدخُل الإنسَّاني نَهَبَت تلك البلدان وحوَّلت هايتي من “لؤلؤة الكاريبي” الى دولةٍ فقيرةٍ، تأكُل التُّراب، تعتمد على المساعدات الخارجية في سد العجز الإقتصادي المتنامي.
المشروع الإستعماري لم يتوقف هُنا، فاليوم مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، جون بولتون، يريد إرساء الدِّيمقراطية (التَّدخل، فالنهب) في فنزويلا، حيث قالها، منذ أيامٍ، جهاراً: سنواصل استخدام كل القوة الإقتصاديَّة والدبلوماسيَّة للولايات المتحدة لإستعادة الديمقراطيَّة في فنزويلا”.
أيضاً، وبحجّةِ تنفيذِ “عملية إنسانيَّة”، كان التَّدخُل المفاجئ للقوات الفرنسية (الغازية) في رواندا، حيث ادَّعوا أنَّ أقلية “التوتسي”، تشكل تهديداً خطيراً على الأمن الداخلي للبلاد، فدعموا النظام الحاكم هناك في ارتكابهِ مجازر أودت بحياة حوالي مليون إنسان، ونُهِبَت البلاد عن بكرة أبيها، هذه فرنسا الضلع الثَّاني في مُثَلَث التَّحالف الإستعماري ضد سوريا.
كذلك استخدمت “بريطانيا” الضلع الثَّالث من ذلك التحالف، حجة التدخل الإنساني وإرساء الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان، فشاركت، وبأمر من توني بلير( صاحب فكرة “عقيدة المجتمع الدولي”)، بقوة في عمليَّة “ثعلب الصحراء”، لا بل وفي كل الحرب على العراق والتي استمرت عشرون عاماً، وراحَ ضحيتها مليون إنسان، كما تدخَّلت المملكة المتحدة عسكريًا في “سيرَّاليون” في أيار- مايو 2000 اسم عملية “باليسر”، وبعدها في “تيمور الشرقية” عام 1999، وفي “كوسوفو” (قادت القوات البريطانية تدخلاً عسكرياً قام به حلف الناتو) أيضاً فى ليبريا عام 1990، بلاد “الألماس الدموي” ارتكب الغزاة الإنكليز الفظائع بحجة التدخل الإنساني، فأودى تدخلهم الإنساني (جداً) بحياة أكثر من 200,000 ليبيري وتشريد نحو مليون إنسان، فيما يعيش اليوم حوالي 85 في المائة من السُّكان تحت خط الفقر.
المُسْتَعْمِرُ المُتَوَحِّشُ، مِلحَهُ الكِذْب، فَمِنْ كذبَةِ حقُوقِ الإِنسان في كوبا، مروراً بِكِذبَةِ النَّووي الكوري الشَّمالي والإيراني، وكذبة الإِرهابِ الذي تُمَارِسُهُ فصائِل المقاومة الوطنيَّةِ الفِلَسطينيَّةُ واللُّبنانيَّة، إلى كذبة السِّلاحِ الكيمَاويُّ “الذي قَتَلَ بهِ النِّظامُ السُّوريُّ شعبهُ”، يستخدِمُهَا كُلُّها لتَنفيذ مُخططاتهِ، التي تصبُّ في نهايةِ المطافِ في خدمةِ الكيانِ الصهيوني “إسرائيل”.
فهَل لهذهِ الشُّعوب (ضحيَّةُ كِذبة التَّدخُّل الإنسانِيِّ)،سبيلاً للخلاص من المُستَعمِر، غير الحَجِّ إِلَى موسكو، صديقةُ الشُّعوب المضطهدة، منذُ قيام الثَّورة البَلشَفيَّةُ ؟