ليست مسرحية “الربيع العربي” سوى ترسيخ واضح، لمبدأ “كارتر” ( أكد الرئيس الأميركيّ “جيمي كارتر” في عام 1980، أن بلاده “سوف تعمل على ضمان النفط والغاز الطبيعي الموجود في منطقة الشرق الأوسط بأي وسيلةٍ مُمكنة بما في ذلك القوة العسكرية”)، في استعمار المنطقة، ومايقوم به “اليانكي” اليوم، يشبه الى حدٍ بعيد، صندوق الدنيا، حيث يقف المرء مندهشاً متألماً أمام مشهدية سياسية عالمية، تكاد تكون أشبه بالكذبةِ الكبيرةِ، تلعب فيها الولايات المتحدة الأميركية، دور الراعي الصالح، لتتدخل بطرقٍ وأشكالٍ مختلفة، في شؤون الدول، فتارةً تتهم سوريا بأن نظامها ديكتاتوري يقمع الشعب، وأن العراق لديها أسلحة دمار شامل، وتكيّل لفنزويلا وكوبا إتهامات تدور في فلك إنتهاك حقوق الإنسان والحريات، وتحشد لكذبها ذاك كل دوائر الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام التابعة لها، لتأتي النتيجة، دمار بلدان بأكملها، وتجويع وتشريد ملايين البشر، وحين ينتهي العرض المسرحي، وقبل أن يغلق صندوق الدنيا شباكه، يعيدون تموضعهم، ويبدؤون بالبحث عمن يعيد إعمار الخراب الهائل الفظيع، مُخفيّنَ جرائم حروبهم ببضع ملايين الدولارات من المساعدات الإنسانية (قد لاتتجاوز ثمن طائرتين حربيتين).
لقد كان المشهد مؤلماً حقاً، عندما قادت الولايات المتحدة الأميركية، حلفاً عالمياً شنَّ حرباً ضروساً على العراق، إستناداً الى تقارير الإستخبارات الأميركية التي أكدت وجود أسلحة دمار شامل، تُهدد السلم والأمن الدوليين، وكم كان هزليَّاً، مُضحكاً، مشهد “كولن باول” وهو يعتذر، نادماً، عن تلك الحرب، بعد اعترافه، في كتابه “دروس في القيادة والحياة” أنَّ تلك التقارير كانت كاذبة، أو أنها بأحسن الأحوال قد ضللتهم، (عندها كان مليون عراقي قد قتلوا، ودُمِرَّت البلاد بشكلٍ شبه كامل).
والمشهدية المؤلمة الأخرى، والتي لاتزال طريَّة في الذاكرة، هي موت 29 طفل سوري بسبب البرد في مخيمات اللجوء المُقامة في لبنان، وقبلها مشاهد لبيع النساء الأيزيديات في المزاد، وأخرى لسوق الأعضاء البشرية السورية، ومثلها مشاهد للدمار الحقيقي الذي لحقَّ بالطبيعة الأُم، وذلك كنتيجةٍ حتميةٍ لحرب شنَّها ولايزال تحالف إستعماري، تقوده الولايات المتحدة الأميركية، بحجة نشر الحريات والديمقراطية، ومحاربة الإرهاب، والنقيض (المضحك) في الأمر أنه عندما قرر “ترامب” سحب قوّاته من سوريا، لم تلتفت الدولة العميقة في واشنطن الى ذلك الدمار الرهيب الذي خلفته قوات بلادها في سوريا، وإنما أكدوا على “ترامب” ضرورة التريُث، حتى يضمنوا عدم إيذاء “تركيا” لحلفائهم الأكراد، وضمان إنكفاء الخطر الإيراني عن تهديد الأمن في المنطقة (المقصود هوأمن إسرائيل).
وكم تفطر القلوب، صور الأطفال اليمنيين الذين يموتون جوعاً، هم أيضاً ضحايا حرب تشنها السعودية وتحالفها الخليجي على تلك البلاد، بدعم فاضح وكبير من بريطانيا (اليوم يوجد في اليمن 50 مستشار عسكري بريطاني يقومون بتوجيه وتدريب القوات السعودية) والولايات المتحدة (أرسلت سفناً حربية بهدف تعزيز الحصار على اليمن، هذا عداك عن الدعم اللوجستي والإستخباراتي الذي تقدمه خلية تخطيط مشتركة بين الدولتين، وباعتها من الأسلحةً والعتاد مايكفي لتدمير بلدين) وعلى الرغم من أنَّ منظمة العفو الدولية قد اعتبرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة شريك غير مباشر في الحرب وفي الحصار على اليمن، فهم ينكرون ويتقمصون دور رسول السلام، فملوك الرمال يدعونَّ أنهم يحاربون المد الشيعين الإيراني (وهمٌ زرعه الأميركان كي يستمروا في إبتزاز هذه الممالك والإمارات) فيما يكذب الأميركيون علناً، وبشكل هزلي، رافضين استخدام السعودية للسلاح الأميركي في حرب اليمن( ربما كانوا يتوقعون أن يستخدمها آل سعود، في الصيد، أو للرقص) وأنهم ليسوا مع هذه الحرب، فهاهو السيناتور الأميركي “ليندسي غراهام”، وكتجسيدٍ حقيقي للكذب السياسي، يتقدم بمشروع قانون لمحاسبة السعودية في حربها على اليمن.
أما المشهدية المؤلمة التي تطفو على السطح الأممي،اليوم، تأتي من كاراكس، عاصمة أغنى دولة في القارة الأميركية(على الأقل نفطياً)، والتي تُحاصِّرها، ذئاب الإمبريالية العالمية، منذ عهد الرئيس “تشافيز”، ويهاجمون منذ رحيله، كل أصدقاء الرئيس “مادورو”، يهددون بأن كل من يتعاون مع فنزويلا لأجل إنعاش الإقتصاد الوطني، سيعتبر عدواً للسياسة الأميركية المشروخة أخلاقياً، وفي دور أقرب الى “الفنتازيا” السياسية، تلعب وزارة الخارجية الأميركية، دور الحمل الوديع الذي يتألم على الشعب الفنزويلي، فتُعلن عن تقديم “مساعدات إنسانية” بقيمة 20 مليون دولار، علماً أنه وفي عام 2017 منع مزود خدمات Euroclear حوالي 1،650 مليون دولار لشراء الأدوية والمواد الغذائية للفنزويليين، في حين أنّه في حجبت إنجلترا والولايات المتّحدة 1200 مليون دولار، من الذهب الفنزويلي (سرقة موصوفة).
باتَ العالم، اليوم أشبه بمسرحٍ لدُمىً، فيهِ ترى مشاهد ضحايا الحروب المؤلمة، وكل مشهد مؤلم يقابله مشهد هزلي، تجسدهُ تصريحات لساسةِ الدول الإستعمارية، ناهبون متوحشون، بربطاتِ عنقٍ أنيقةٍ، ذئاب بلبوسِ حملان…. سياسات إرهابية لمحاربة الإرهاب، وفي النهاية يدفع فقراء العالم، فواتير الحروب، بأغلى الأثمان..إنهم يدفعون حيواتهم.