ليس مستغرباً، لا بل وطبيعي جداً ، الشكر العميق الذي وجهه رئيس وزراء الكيان الصهيوني “بنيامين نتنياهو”، الى الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” الذي أعلن أنه “حان الوقت لتعترف أميركا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان”، فمنذ أن سارع الرئيس الأميركي هاري ترومان-الذي أمر بإطلاق قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، والمؤسّس الأوّل لحلف الناتو، للاعتراف بدولة “إسرائيل” عام 1948، لم يُقدم راعي البقر هديةً للصهيونية العالمية، أثمن من تلك التي قدّمها الرئيس “ترامب”.

نعم، يجب أن يشكره ومن أعماقِ أعماق قلبه، لأنه ومنذ توليه منصبه يعمل بجدٍ على تفكيك المنطقة، تطبيقاً لمشروع “الشرق الأوسط الكبير”، مُتابعاً جهود سلفه من الرؤوساء الأميركيين، في تفكيك العراق وسوريا الى دويلات(إحداها كردية)، ولإبتكاره طرقاً  في تكبير وتضخيم الخطر الايراني، في مخيلة مملكة الرمال بشكل خاصةَ  والخليج عامّةً.

لا بل يجب على الكيان الصهيوني، أن تُقدم له أسمى آيات الشُكر، لأنّه استمرّ  بالترويج لما بشرت به  “كونداليزا رايس” وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق بولادة (شرق أوسط جديد)، سينمو ليحقق – حسب تعبيرها – حلاً سحريا لعلاج أزمات المنطقة المزمنة كلها ( تقصد أزمات الكيان الصهيوني) .

ولأنه تابع بجدٍ منقطع النظير الحرب على سوريا، ودعم بكل ما أوتي من قوة الفصائل الكردية وخاصة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” لا بل وتبناها، حتى أنه حين أعلن انسحاب قواته من الأراضي السورية، اشترط حماية المقاتلين الأكراد الذين حاربوا إلى جانب القوات الأميركية، كما غذى لديهم فكرة إنشاء دولتهم في الشمال السوري، لما في ذلك فائدة كبيرة للكيان الصهيوني.

كما على “اسرائيل”  شكره، ليلاً نهاراً، لأنه وكرمى لعيونها، أنهى الإتفاق النووي مع إيران،( اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ بداية حملته الانتخابية ، أن الإتفاق النووى يمثل “كارثة على إسرائيل)، وفرض عقوبات عليها، وعلى كل محور المقاومة، وعقد مؤتمراً في “وارسو” تحت شعار  “مستقبل السّلام والأمن في الشّرق الأوسط”، (طبعاً السلام مع إسرائيل وحماية أمنها)، والذي كان عنوانه الأبرز محاربة الخطر الإيراني، وسمته الغالبة كانت لقاءات التطبيع العربي مع اسرائيل، ولأنه قدم لهم مساعدات مالية تقدر ب 38 مليار دولار، بحجةِ أن إيران تشكل خطراً داهماً عليها،  وهي الصفقة العسكرية الأكثر سخاء في تاريخ الولايات المتحدة.

يستحق الشكر ،لأنه دعم وتحالفه الإستعماري، مقاتلي جبهة النصرة الذي عاثوا دماراً في كل سوريا، ومن ثم تلقوا علاجاً مجانياً في مشافي “اسرائيل”.

يجب شكره على الخدمة الكبيرة التي قدمها لهم، من خلال كل المسرحيات الخيالية التي أخرجىوها في أروقةِ مجلس الأمن الدولي، بغية إثبات تهمة استخدام السلاح الكيماوي من قبل الجيش السوري.

يجب شكره بصدقٍ صهيوني فائقٍ، فليس تفاجؤ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالخبر، وترحيبه به بكافٍ، وهو الذي قال: إن الحديث يدور عن “معجزة بوريم” (أنقاذ الملكة إستير للشعب اليهودي، من هامان الفارسي -بحسب التوراة)، فهم يعلمون مدى اهمية الجولان الدينية (في العهد القديم يذكر اسم جولان في سفر التثنية وفي سفر يشوع)، ويعلمون بغنى المنطقة بالنفط والغاز الطبيعي(في عام 2015 أعلنت شركة التنقيب عن النفط الإسرائيلية، “آفك أويل”، أنها وجدت  كمياتٍ هائلةٍ من النفط والغاز في هضبة الجولان) وأنه أكبر مصادر المياه بالنسبة للكيان الغاصب (حوالي 35 في المئة تحصل عليها اسرائيل من الجولان).

أخيراً، لم يكن إعلان ترامب الأخير بخصوص الجولان سوى محصلة حاصل، لكل المؤتمرات الاستعمارية، لضمان أمن المنطقة واستقرارها (المقصود اسرائيل)، والجولات المكوكية التي قام بها الدبلوماسيون الأميركيون في المنطقة،  فهم  وحسب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، “عوزي أراد”، سبق أن تقدموا في مفاوضات 2008 بين اسرائيل وسوريا بوساطة تركية، بمبادرة تقضي بإبقاء مستوطنات إسرائيلية في الجولان، مقابل حصول سوريا على أراضٍ أردنية بنفس المساحة.

لا أحد يعلم من صاحب فكرة الإعلان “الترامبي” المجنون ، سواء كان مستشار الأمن القومي، جون بولتون، أم صهر “ترامب” وتلميذ نتنياهو “غارد كوشنير”إلا أن القصة كلها تعود الى الأحلام المتورمة لمهندسي مشروع  “الشرق الأوسط الكبير”، الذي كان أكبر وأكذب دعاية أميركية، ومبرر لإستعمار المنطقة، الذي تسلح كذباً بالدعوة إلى الديموقراطية، والتغيير الثقافي، وحقوق الإنسان، وضمان حقوق المرأة، والقضاء على الأُمّية … الخ، تلك الأحلام التي ولدَّت جحيماً أحرق المنطقة، وأدخل شعوبها في نفق الفقر والتخلف والضياع.

يجب أن تشكره اسرائيل وكل الصهاينة في العالم، على جهوده فيما يستمر العرب نياماً،  الى أن يُعلن من اعترف بالجولان أرضٍ اسرائيلية، مستقبلاً “أن جزءاً من أرض العراق أيضاً هي  إسرائيلية”، تطبيقا ً للمبدأ الصهيوني (أرض اسرائيل من النيل الى الفرات).

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This