تسعى الولايات المتحدة الأميركية، منذ الحرب الباردة، إلى عسكرة الطرق البحرية الرئيسة، بهدف التصدي للدب الروسي، من جانب وحماية أمن “اسرائيل” من جانبٍ آخر، فزرعت في سبيل ذلك اسطولها الخامس التابع للبحرية الأميركية، في البحرين ( تُعد مملكة البحرين من أقدم الدول العربية التي أقامت تعاوناً عسكرياً مع الولايات المتحدة )، بغية مراقبة إيران و التحكم (أو السيطرة) على مضيق هرمز الذي يُشرف على محيط نفطي يحوي حوالى 750 مليار برميل، ويعد الباب الوحيد الذي تخرج منه صادرات النفط إلى الدول المستهلكة البالغة أكثر من 17 مليون برميل يوميًا (يعبره أكثر من 40% من نفط العالم بمعدل 20-30 ناقلة نفط يوميًا، وتُصدر السعودية حوالي 88% من نفطها عبره. فيما تُصدر الإمارات مايقرب من 99% من إنتاجها من خلاله).
تعتبر إيران أنّ السّيطرة على مضيق هرمز ومضيق باب المندب والبحر الأحمر أهم من امتلاك قنبلة نووية، لذلك يفرض “اليانكي” اليوم، حصاراً إقتصادياً عليها، سعياً الى تصفير صادراتها من النفط ، ما يُسهّل مهمّة الكيان الصهيوني التوسعية في المنطقة.
لعلمها بأن جزيرة سقطرى اليمنية تؤدي إلى خليج عدن، وخليج عدن يُوصّل إلى باب المندب، قامت إدارة البيت الأبيض، عن طريق “ديفيد بترايوس” ، بالضغطِ على الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح للموافقة على جعل الجزيرة قاعدة عسكرية جوية أميركية (بحسبِ وثيقة لموقع “ويكيليكس” مؤرخة بتاريخ 3/1/2010 )، وفعلاً زَرَعت قاعدة عسكرية ضخمة هناك، بهدف التحكم (أو السيطرة) على مضيق باب المندب الذي يقع بين اليمن، إريتريا، وجيبوتي. ويصل بين آسيا وأفريقيا، ويقدر عدد السفن التي تمر فيه سنوياً، بأكثر من 21000 قطعة بحرية (57 قطعة يومياً) وذلك بهدفِ تأمين بديلٍ لمضيق هرمز الذي اشتد الصراع عليه، ولعلمها أيضاً بأنَّ السيطرة على مضيق باب المندب تعني السيطرة على قناة السويس، والتي تراقبها القاعدة العسكرية الأميركية الموجودة في أزمير -تركيا ومحطتي الإستطلاع في صحراء النقب وليماسول بقبرص بالإضافة لقاعدة جدة الجوية، وكله يصب في خدمة الكيان الصهيوني، الذي لديه أصلاً نفوذاً في المندب بالتنسيق مع جيبوتي وأثيوبيا.
بالسيطرة على هذه الممرات المائية الرئيسة، ستتمكن الولايات المتحدة من السيطرة على التجارة الدولية البحرية تماما، كون هذه النقاط تمثل مراكز اختناق هامة لتجارة النفط العالمية، وعليه فليس مستغرباً أبداً شراسة السياسة الخارجية لإمبراطورية الشر والحروب الأميركية، واللاإنسانية الفظيعة في خطابات السيد “بومبيو” تجاه كل أمم الأرض التي تعادي أو تضر بالأمن الإسرائيلي، ولكن هذه السياسة ستولّد حتماً حركة أممية مناهضة بمعنى آخر إن الدول الرأسمالية ستبيع الحبل الذي ستُشنق به (مقولة لـ”لينين”)، وأنها ستحفر قبرها بيديها.
ولعل من أهم بوادر تشكل تلك الحركة الأممية، بدء الإلتفاف حول سوريا بعد الإنتصارات التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه على الإرهاب، واستثمار روسيا لمرفأ طرطوس (مايعني وصولها الى المياه الدافئة، وتأكيدها عدم التخلي عن سوريا بعد انتهاء الحرب، وتبنيها للشأن الإقتصادي السوري)، إطلاق الصين لمشروعها العملاق الحزام والطريق (طريق الحرير الجديد)، وإصرارها على المشاركة في عملية إعادة إعمار سوريا(يري الحديث عن مشاريع عملاقة كقطار يصل سوريا، العراق، ايران بالصين) بالإضافة إلى رفض إيران وكوريا الشمالية العودة الى المفاوضات النووية مع راعي البقر الأميركي، والتحدي الكبير من قبل الصين، فنزويلا وكوبا لسياسات “ترامب” و “بومبيو” الذي يتعامل مع المجتمع الدولي بدبلوماسية العصا الغليظة، القائمة على فكرة “تيودور روزفلت” القائلة: “تكلم بنعومة واحمل عصا غليظة، ستذهب بعيداً” ، رافضاً وحلفائه فكرة أن زمن القطب الواحد قد ولى، ومُصراً على أنَّ شعوب الأرض ماهي إلا قطعان تحتاج من يرعاها، وأن لها الحق في أن تصول وتجول حيث تشاء ومتى تريد.
حتماً هناك (لا) كبيرة ستقولها حركة أممية ستولَّد من رحم العداء، بوصلتها العداء للغطرسة الأميركية، وستكون سوريا في خضم هذه الـــ (لا) العظيمة، لأن إرادة الشعوب أقوى من الإمبراطوريات.. أليس هذا ما يقوله المنطق والتاريخ ؟ .