بعد الجدل الواسع وردود الفعل المتباينة حول القرار الإعدادي الذي أصدره مجلس شورى الدولة بناء على إستدعاء مقدّم من “شركة إسمنت الأرز” التي يملكها بيار وموسى فتوش ضد وزارة الصناعة، والقاضي بتنفيذ قرار وزير الصناعة وائل أبو فاعور الذي ألغى الترخيص الصناعي المعطى للشركة المذكورة من قبل وزير الصناعة السابق حسين الحاج حسن، تعيش بلدة عين دارة والقرى المجاورة أجواء من الذهول، وليس ثمة أي معطى واضح حيال الخطوات التالية من قبل الأهالي، خصوصا وأن المعمل المذكور بات قضية سياسية بالدرجة الأولى أكثر منها بيئية أو صحية.
وما يعكس هذا الأجواء، أن بعض النافذين في البلدة، تمنى على greenarea.info “استمهالنا يوما واحدا”، ولما سألنا عن السبب قال: “نتحدث بعد أن ينهي وزير البيئة فادي جريصاتي جولته لعين دارة المقررة اليوم السبت”، في تأكيد شبه معلن بأن حركة الاعتراض مستمرة ولكن بالاستناد إلى ما ستؤول إليه الأمور في الأيام القليلة المقبلة.
شركة “إسمنت الأرز”
وقد عادت هذه الأزمة إلى نقطة الصفر بعد بيان وزعته شركة “إسمنت الأرز” أشارت فيه إلى أن مجلس شورى الدولة أصدر القرار القضائي رقم 292 تاريخ 23/4/2019 قضى بـ”وقف تنفيذ قرار وزير الصناعة وائل أبو فاعور رقم 7893/ت تاريخ 26/3/2019 الذي قضى، وبشكل مخالف للقانون وللأحكام القضائية المبرمة، بإلغاء الترخيص الصناعي رقم 5297/ت، وكذلك إلغاء قراري تمديده رقم 6576/ت و6821/ت، الصادرين ثلاثتهم عن وزير الصناعة السابق حسين الحاج حسن، بإنشاء واستثمار مجمع صناعي عائد إلى شركة “إسمنت الأرز” ش.م.ل في منطقة جرود عين دارة وخراجها – قضاء عاليه”، كما أفادت الشركة.
وأوضحت الشركة أن “حكم وقف تنفيذ قرار أبو فاعور أتى ليؤكد مخالفة الأخير للأحكام القضائية المبرمة والنهائية، وللقرارات القانونية والأنظمة المرعية، وللحقوق المكتسبة النهائية العائدة إلى شركة “إسمنت الأرز” ش.م.ل، والمكرسة بأحكام قضائية مبرمة، التي كرست نهائياً قانونية الترخيص الصناعي رقم 5297/ت وشرعيته وبيئيته، بكل مضامينه، من مقدمة وحيثيات ومواد وبناءات ومواضيع، وكل ما بني عليه من تراخيص مقالع وكسارات، المترابطة والمتلازمة والمكملة مع المجمع الصناعي، وقرارات صادرة عن مجلس الوزراء برقم 14/94 و13/96 و4/97، وقرارات وتراخيص إدارية وإفادات صادرة عن المراجع الإدارية المختصة كافة، وكل ما صدر لاحقا له من قرارات بالإستناد إلى الترخيص 5297/ت”.
ولفتت الشركة إلى أن “القرار أكد نهائية هذه الحقوق المكتسبة، وعدم صلاحية أي مرجع وزاري أو إداري أو قضائي المس بها أو إلغاءها، لكونه قد تم مجددا تثبيت قانونيتها نهائياً، بموجب أحكام قضائية مبرمة، تسمح لشركة “إسمنت الأرز” ش.م.ل، بمتابعة العمل بالبناء والتجهيز والتركيب والتشغيل لمجمعها الصناعي بصورة دائمة ومستمرة، ما يدل على أن قرار الوزير أبو فاعور، الذي تم وقف تنفيذه نهائيا، هو قرار متسرع وكيدي وسياسي وغير قانوني. ولا يهدف إلى أي مصلحة عامة بل إلى تنفيذ أجندة سياسية ضيقة ومصالح خاصة لفريقه السياسي”.
هيئة المبادرة المدنية – عين داره
ما إن شاع هذا الخبر حتى كانت ثمة مواقف و”تغريدات” رافضة، وبعضها لزعيم لبناني معروف اندفع في مهاجمة القرار بمصطلحات سياسية، ثم ما لبث أن حذف التغريدة”، ولا يزال السجال مستمرا، حيث أصدرت هيئة المبادرة المدنية – عين داره بيانا علقت فيه على قرار مجلس شورى الدولة المتعلق باعادة الترخيص لمعمل الفتوش للاسمنت، وجاء فيه: “سارع مجلس شورى الدولة إلى وقف تنفيذ قرار وزير الصناعة وائل ابو فاعور المتعلق بالغاء القرار الصادر عن سلفه الوزير السابق الحاج حسن بالترخيص لمعمل الفتوش للاسمنت في عين داره، وشرعن المجلس في الوقت عينه، حسب البيان الصادر في وسائل الاعلام، 25 عاما من المقالع هي مواقع جرائم بيئية ومالية وتبييض أموال وتعدي على البشر والاوقاف والمشاعات، ارتكبت جميعها وسط محمية أرز الشوف في جبل عين داره، وجميعها لسخرية القدر موضع تبليغ للنيابات العامة ومتابعة من قبلها”.
ورأت أن “القرارات القضائية المتعلقة بمصنع الفتوش ومقالعه وكساراته صدرت في ظل إنكار حقنا الدستوري في محاكمة عادلة، وذلك عبر إخفاء ادلة التزوير أي منعنا من الاطلاع على تقرير تقييم الأثر البيئي (وزارة البيئة) والملف الإداري الكامل (وزارة الصناعة) وهو ما يخالف كذلك حقنا بالوصول إلى المعلومات”.
واعتبر البيان “ان القرارات صدرت في ظل شهادات زور أدلى بها وزير البيئة حينها حول محمية أرز الشوف، ووزير الطاقة والمياه حينها حول المياه الجوفية في جبل عين داره. منذ صدور قانون إنشاء محمية أرز الشوف العام 96 الذي يلحظ في مادته الأولى وجود مشاعات عين داره داخل المحمية تتوالى القرارات والتراخيص والمهل للانشطة الاجرامية في جبل عين داره، في إنكار فاضح لقوانين الحماية، وفي اساس هذه السياسة المتعمدة الخارطة المجتزأة المعتمدة رسميا من قبل وزارة البيئة. لذلك نعتبر كل القرارات الادارية والوزارية الصادرة بعد صدور قانون إنشاء المحمية والمخالفة له، بما فيها قرار الترخيص لمصنع الفتوش ومقالعه كما المهل المعطاة للكسارات والمقالع عموما في جبل عين داره في مثابة قرارات غير موجودة قانونا”.
خيارنا الجمهورية اللبنانية
وتضمن البيان دعوة وزير البيئة إلى “معاينة الأنشطة الاجرامية الواقعة وسط محمية أرز الشوف في جبل عين داره، وهو المؤتمن عليها، وندعوه إلى الإفراج عن الخارطة الصحيحة لمحمية أرز الشوف والعمل على أساسها بدلا من الخارطة المزورة، ودعا رئيس بلدية عين داره إلى”التعرف على مشاعات عين داره واوقافها المعتدى عليها والأفراج عن المعلومات ووثائق الإدانة المتعلقة بالجرائم البيئية والمالية في أرشيف المجلس البلدي بدلا من حجبها عن المواطنين”.
وختم البيان: “نود التأكيد ان خيارنا في عين داره هو الجمهورية اللبنانية وقوانينها التي لا نرضى منها بديلا، وان السائد الآن هو جمهورية الفتوش وعلي المملوك وماهر الأسد وغيرهم من المطلوبين للعدالة اللبنانية والدولية تحت أعين السلطات جميعها”.
وزارة الصناعة
من جانبها، أوضحت وزارة الصناعة في بيان أمس، تعليقا على البيان الصادر عن شركة “اسمنت الأرز” حول القرار المنسوب الى مجلس شورى الدولة، انها “لم تتبلغ وزارة الصناعة أي قرار من مجلس شورى الدولة حول هذا الموضوع وتستغرب كيفية إبلاغ شركة الاسمنت بالقرار وعدم إبلاغ الوزارة المعنية، وهو ما يعتبر بحد ذاته فضيحة ومخالفة تستوجب التحقيق والمساءلة، خصوصا في ظل العلاقات المشبوهة التي حكمت علاقة أصحاب الشركة بعدد من القضاة، والشاهد عليها هو القرار الشهير الصادر عن مجلس الشورى سابقا بالزام الدولة اللبنانية بدفع مبالغ طائلة تفوق المئتي (200) مليون دولار لأصحاب الشركة”.
وطالبت “وزير العدل والتفتيش القضائي بفتح تحقيق بهذا الأمر، وكشف الحقائق وتبيانها واتخاذ الاجراءات والعقوبات حيث يلزم ضد كل من تواطأ وعمل ضد القانون في هذا الملف”.
واستغربت أن “تصبح شركة تجارية تتعرض لنقمة شعبية كبيرة، ناطقة بإسم مجلس شورى الدولة، وتقوم بتعميم بيانات إعلامية بإسمه تتضمن اتهامات سياسية وادعاءات كاذبة ومغلوطة تخالف الأصول القانونية والقضائية، الأمر الذي يشكل سببا إضافيا وموضوعيا لفتح تحقيق بالأمر”.
واعلنت انها “تنتظر الصناعة الاطلاع على القرار المزعوم، وفي هذا الوقت فإنها تؤكد حرصها وحزمها على الاستمرار في المعركة القضائية في هذا الملف إحقاقا للحق وحماية للبيئة والسلامة العامة والصحة وسلامة الناس والتزاما بالاصول القانونية وتلبية لمطالب غالبية أبناء المنطقة الرافضين لإقامة هذا المشروع في منطقتهم وبيئتهم”.
ملف سياسي
حتى الآن ما تزال الصورة غامضة، وبات مؤكدا أن هذا الملف تحول من قضية بيئية إلى قضية سياسية، وهي في الوقت عينه أكبر من القضاء الذي يتم تحميله وزر الصراعات السياسية.
وبالانتظار، تبقى عين دارة في دائرة الضوء، ولا بد من تسوية، تعيد الهدوء إلى منطقة لا تتحمل تبعات هذا الملف لا الآن ولا غدا.