كم هو رائع أن نوثق الحياة الطبيعية ونقف عند حدود بوحها، جمالا وأسرارا وخفايا تصيبنا بالدهشة فيما نكون أمام عظمة الخالق وإبداعات ما خلق، وكم هو رائع أيضا أن نقتفي أثر هذا الجمال ونبقيه نابضا حيث يجب أن يكون، أي وسط الطبيعة الحاضنة لتنوع بيولوجي فيه من السحر ما يضاعف مسؤولياتنا لنحمي ونصون بعيدا من التعدي، قتلا ودهسا وادعاء “بطولات”.

ربما قد يستهجن البعض أن نتحدث عن اثنين من الأفاعي وهما في لحظة انسجام، وكيف بدتا وهما تتلويان في طقس رائع وكأنهما تبثان بعض أسرار الحياة في لحظة تجددها، لكن يغيب الاستهجان ساعة نعلم أن الأفاعي ليست كلها خطرة وسامة، وهي تسدي خدمات جمة في منظومة الحياة الطبيعية بعيدا من النظرة النمطية التي غالبا ما ربطت الأفعى بالشرور.

حمدان

وما استوقفنا في هذا السياق، وما وثقه الحاج حمدان حمدان في أرضه في بلدة النميرية – قضاء النبطية جاء حاملا بعض إيقاع الطبيعة، في فيديو لم يظهر أفاع تم دهسها أو قتلها

بالعمد، وإنما وهي تتزاوج، ولم يصب بالهلع لأنه يدرك أن هاتين الحيتين تنتميان لنوع غير سام، يعتبر صديقا للمزارع كونه يقتات على القوارض ولا سيما الفئران والجرذان، وهما تعتبران من الآفات التي تفتك بالإنتاج الزراعي، وأكد حمدان عدم خطورة هذه الأنواع على البشر إذا لم يتم التعرض لها، وهي تقوم بتنظيف الحقول من الحيوانات الضارة للزراعة.

ويأتي هذا الفيديو لينقض الكثير من المفاهيم الخاطئة، خصوصا وأننا شهدنا مع بداية ارتفاع درجات الحرارة شيوع ظاهرة دهس الأفاعي بالسيارات وقتلها دون سبب، ما يتطلب معرفة الحد الفاصل بين الموروث الشعبي والنظرة العلمية لأنواع الأفاعي الموجودة في لبنان، وخصوصا الافاعي السوداء غير السامة، وهي العدو الأول للفئران والجرذان وتعتبر صديق ورفيق المزارع.

الحنش الأسود

وقال الناشط البيئي رامي خشاب لـ greenarea.info: “إن الحنش الاسود dolichophis jugularis من الأنواع غير السامة، وهي من أكبر الأفاعي في لبنان، يصل طولها إلى ثلاثة أمتار، وهي حية سريعة جدا وقد تعض إذا استشعرت الخطر، علما أنها تفضل الهروب على المواجهة، وتقتات على القوارض والطيور وبعض الأفاعي السامة، ولكن للأسف هناك من يقتلونها، علما أنه باقترابها من المناطق السكنية والاراضي الزراعية تساعد في تخليصنا من القوارض”، متمنيا ألا “يتصرف أحد بجهل ويعمد إلى قتل الحنش الأسود”.

وأشار خشاب إلى أن “أفعى الحنش الأسود تتزاوج في هذه الفترة وتضع الأنثى ما بين 16 إلى 20 بيضة، وعندما تفقس يكون لون الصغار بني إلى زيتي مرقط للتمويه وتكتسب اللون الأسود بعد أن يتخطى حجمها المتر”.

نظام ايكولوجي متكامل

وبحسب خشاب، فإن “الأفاعي بسائر أنواعها الموجودة في لبنان هي جزء من نظام إيكولوجي متكامل وتعتبر حلقة مهمة في التوازن البيئي”، ورأى أن “الخوف من الأفاعي مبالغ به الأمر الذي يفترض توعية المواطنين إلى كيفية التعاطي مع هذا النوع من الزواحف”.

وقال خشاب: “ليس ثمة أفاع قاتلة في لبنان، ولدينا سبعة أنواع مصنفة علميا سامة، أربعة منها معتدلة السم، وثلاثة أنواع سامة تشكل خطرا على الإنسان بحسب ظروفه الصحية ومدى حساسيته ولدغتها تحتاج إلى عناية طبية طويلة.

السامة ضنينة بسمها

ولفت خشاب إلى أن “الأفاعي أكثر تأثراً بالممارسات البشرية لجهة الاعتداء عليها وتعمد قتلها وبعض أنواعها في طور الانقراض بسبب الحرائق والتمدد العمراني”، وأكد أن “هذه الأفاعي لا تقدم على لدغ الإنسان إلا في حالة الدفاع عن النفس كفرصة أخيرة لمواجهة الخطر لأنها ضنينة بسمها ويتطلب الأمر لاستعادته فترة طويلة”، وأشار إلى أن “السم إذا شربه الانسان لا يتسبب بأي أذى وخطره في وصوله إلى الدم”.

التسلح بالوعي

وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن مزارعين يقتنون الحنش الأسود لتخلصهم من الفئران والجرذان وبعض القوارض التي تضر بمزروعاتهم، ويبقى أن نتسلح بالوعي، وما الفيديو الذي وثق اثنين من الحنش الأسود إلا خير دليل على أنها لا تؤذي، ومن هنا يجب أن يصبح العلم سلاحنا في مواجهة بعض المعتقدات الخاطئة.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This