يعيش المواطن اللبناني في دوّامة كبيرة تخلط حابل مشاكله بنابل الحلول، الامر الذي يجعله يتقوقع في مكانه ضارباً عرض الحائط بما تراه عيناه من قضايا تمسّه شخصياً إن لم يكن بالشكل المباشر فبغير المباشر. ومن هذا المنطلق نراه يتفاعل مع أحداث بعيدة جغرافياً عن نطاق عيشه دون أن يعطي أيّة أهمية لحوادث مشابهة وإن كانت أقل كارثيّة تسيطر على مستقبل حياته. وقد يكون التفاعل مع حريق غابات الامازون أكبر دليل على ذلك!

نعم هي رئة العالم التي تختنق، ولكن رئة لبنان تنازع أيضاً وتحاول جاهدة محاربة روائح النفايات ودخان حريقها من جهة، فضلاً عن ملوثات الجو المتعددة الأسباب، وتواجه دخان حرائق الغابات المتنقّلة من جهة أخرى.

ففي لمحة سريعة على أخبار المواقع التي تعطي البيئة بعضاً من سطورها، وفي نظرة على صفحات البيئيين المعنيين على مواقع التواصل الغجتماعي، تحلّ الكارثة على غابات لبنان التي تتنقّل من منطقة إلى أخرى لتقضي على ما تبقى من مساحات خضراء تحمي مستقبل أولادنا من تلوّث محتّم وأمراض متعدّدة.

المساحات الخضراء تتقلّص وباتت أهمّية الغابات بغنى عن التعريف، إلا أن اللبناني لا يعير اهتماماً لها بأي شكل من الأشكال رغم أن الأرقام مخيفة. تشير إحصائيات جمعية الثروة الحرجية والتنمية AFDC ، إلى أن الغطاء الحرجي في لبنان تقلّص بشكل مخيف منذ الستينيات من القرن الماضي حتى الآن، حيث تقدّر  المساحة الإجمالية للغابات في لبنان بحوالي الـ 13 في المائة، بعد أن كانت تشكّل أكثر  من 30 في المائة في العام 1960. وبحسب وزارة الزراعة، فإن المساحات الغابية التي كانت يوماً 74 في المائة من مساحة لبنان تدنّت لتصل الى 13 في المائة أراض غابية و10 في المائة أراض حرجية.

هي إحصاءات قديمة قد تتبدّل في السنوات الاخيرة بسبب كثرة الحرائق، مفتعلة كانت أم لا، فماذا ينتظر اللبنانيون للوقوف سدّا منيعاً لعدم تفاقم الوضع؟

قد لا يكون المواطن اللبناني هو المسؤول الأول عن الوقاية من حصول الحرائق، لكن في ظل الحرائق التي تندلع بكل منطقة تقريباً وتقضي على مساحات واسعة من الغابات والأشجار، ونظراً لقدرات الدولة اللبنانية والدفاع المدني المحدودة في هذا الإطار.. وفي ظل تقاعس الدولة عن تطبيق أي بند من بنود  الاستراتيجية الوطنية لإدارة الحرائق التي أقرّت في عام 2009 ..

السؤال الذي يطرح نفسه : ماذا تخسر البلديات إذا تابعت نظام  “Fire lab ” الذي يعطي مجاناً  إنذارات مسبقة على الأقل بأسبوع من خطورة إندلاع الحريق، إلا إذا كان مفتعلاً!!! وبالتالي فإن نظرة سريعة يومية على التحديثات تحمي مساحات خضراء شاسعة وتخفف جهود عناصر الدفاع المدني والجيش التي لا ترتاح يوماً!

للتذكير، وفي عام 2016 أطلق  فريق علمي من جامعة البلمند – بالإعتماد على منحة من الوكالة الاميركية للدعم الدولي- نظاماً للتنبّه من خطر اندلاع الحرائق، قبل تسعة أيام من إشتعالها. هو نظام لا لا يميّز بلدة عن أخرى، بل يطال كل المناطق الحرجيّة في لبنان، آخذاً في عين الإعتبار أنواع الأشجار، كثافتها، جنسها، إضافة إلى حساسية الموقع تجاه الحريق (الأرض العشبية أكثر حساسية من تلك الغابية).

هو عبارة عن موقع إلكتروني، يتم ولوجه وتحديد القضاء، البلدية والمنطقة المحدّدة، لمعرفة النتائج التي تتجدّد يومياً. يمكن تصفّح FireLab  من خلال “الويب”، مما يجعله في متناول الجميع وعلى نطاق واسع؛ وفي شكل يسمح للمستخدمين عرض المعلومات بسهولة. هو ليس الأول من نوعه، من حيث المبدأ، فللدفاع المدني نظام خاص، يعطي التوقعات للأيام الثلاثة المقبلة. إلاّ أنه يقتصر على القضاء بشكل عام، دون أن يتطرّق إلى حساسية المكان تجاه الحرائق. بينما يدخل نظام جامعة البلمند في تفاصيل أكثر، تتعلّق بخصائص الغطاء الحرجي، عوامل الطقس حسب توقعات الأرصاد الجويّة ومعلومات دقيقة كل يوم بيومه !!

في ظل ما يشهده لبنان اليوم من حرائق متنقلة ونتائج كارثية، كان لا بد للتذكير بكيفية الإستفادة من أنظمة وتكنولوجيا وضعت مجّاناً بين أيدي المسؤولين لتدارك الكوارث قبل حدوثها، لكن في لبنان وللأسف توقّع الخطط ولا تنفّذ في حين أن “لا حياة لمن تنادي” !

 

 

 

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This