يوم استلم الرئيس “لولا دا سيلفا”، تقاليد الحكم، تذمرَّت الطبقة التي اغتنت أيام الرئيس “كاردوسو” الذي أفقر البرازيل، وتعاونت بكافة الطرق مع الدول الرأسمالية لإسقاطه، بحجةِ أنه دمر البرازيل اقتصادياً، وتركها في حالة خرابٍ فظيع، روَّجت له الماكينة الإعلامية التابعة للدول الصناعية الكبرى، وهذا الأمر بديهي، كونهم اغتنوا بسرعة من عمليات التهريب والتهرب الضريبي، ذات الطبقة تمتدح اليوم الرئيس الحالي “جايير بولسنارو”، رغم أنه يتحمل مسؤولية حرائق الأمازون الكبيرة، التي حولت البرازيل الى جحيم حقيقي، وأعطت الدول الإستعمارية مبرارات للتدخل في شؤون البلاد.
وفي الموازين الدولية، هناك معادلة بديهية النتائج، تقول: تُشكل الإقتصادات الناشئة سريعة النمو (الهند والبرازيل مثالاً)، تحدياً رئيسياً لمجموعة الدول الصناعية السبع، وبالتالي فإن محاولات كبحها أو التدخل في شؤونها ، شيء حتمي، و هذا ما حصل بالضبط.
فأدخلت الرئيس “لولا” الذي ناصب الرأسمالية العداء، السجن، ولم يشفع له وفائه ومحبته لبلده، ورفضه التبعية للقطب الواحد (رفض عرض بوش الإبن بمشاركة البرازيل في حرب العراق)، ونهوضه بالإقتصاد الوطني للبرازيل، نهوض مارد، محولاً إياه الى سادس أكبر اقتصاد على مستوى العالم، فبعد أن كانت بلاده مديونة بـ 250 مليار دولار لصندوق النقد الدولي، أصبح الصندوق الدولي هو المديون للبرازيل في عام 2010 بـ 14 مليار دولار!!!
وجاءت أخيراً، برئيس يميني متطرّف “جايير بولسنارو”، تُحاكي التبعية السياسية الذي يُبديها للوحش الأميركي، الى حدٍ ما، الحروب والمجازر التي ترتكتبها الدول الإستعمارية بحق الشعوب الفقيرة، لدرجة أنَّ أرائه بخصوص قضية التغير المناخي، تتوافق مع أراء سيده في البيت الأبيض “ترامب”، فالإثنان يعتبران القضية عبارة عن كذبة اخترعها الصينيون، ويتساويان بدرجة السذاجة، حتى أنَّ “بولسينارو” طرح ذات مرة حلاً غريباً، لمشكلة التغير المناخي قائلاً : “يكفي أن نأكل أقل، تتحدثون عن تلوث بيئي، يكفي أن نتغوط مرة كل يومين وسيكون الوضع أفضل للجميع”، وهو بالمطلق ضد فكرة أن إزالة الغابات تؤثر على المناخ.
ممسرحاً القضية، رفض “بولسينارو” قرار مجموعة الدول الصناعية السبع، بالتدخل لإطفاء حرائق الأمازون الفظيعة (كل دقيقة تلتهم النيران ما مساحته، مرة ونصف، مساحة ملعب كرة قدم)، والتي كشفت النظرة الإستعمارية للدول التي دعمت وصول “بولسينارو”، بحجة أنها قررت ذلك بدون استشارة البرازيل، فما كان من الفريق الإستعماري إلا تجميل الطرح الفج والساذج بالتدخل، فقرروا التدخل غير المباشر عبر منح مبلغ عشرين مليون دولار، لمساعدة بلدان غابات الأمازون (فينزويلا، البيرو،الإكوادور والبرازيل)، في إخماد الحرائق (تصوروا الولايات المتحدة تساعد فنزويلا- مهزلة!!!).
مساعدة مالية تشبه خدعة الساحر، التي يعرفها الجميع، عشرون مليون دولار (قد لاتكفي مصاريف للعناية بحديقة البيت الأبيض)، وبدأت المسرحية بأن تبادل الرئيسين البرازيلي والفرنسي، التُهم بخصوص الإهتمام بالبيئة وقضية التغير المناخي، فرفض رئيس البرازيل العرض(المال)، ورفض قطعياً معاملة بلاده كمُستعمَرة، لكن المسرحية انتهت بقبول العرض السخيف، وذلك بديهي كون “بولسينارو” ذنب للإمبريالية العالمية التي ضغطت عليه.
وبذلك ضمنت الدول السبع موطىء قدمٍ لنهب البرازيل، وإغراقها مجدداً في الديون، كما ضمنت خاصرة رخوة لفنزويلا، ستستخدمها مستقبلاً، دون النظر الى هولِ التغيرات “البيوفيزيائية” في الأمازون وبالتالي في الكوكب ككل.
كل الدول الأعضاء في مجموعة السبعG7، والتي اتخذت من حرائق الأمازون مُبرراً لإعادة تموضعها في ما يدعوه البيت الأبيض (الحديقة الخلفية)، للإنقضاض على فنزويلا، تشارك في التحالف الذي يَشِنُ منذ تسع سنين، حرباً على سوريا، بهدف السيطرة على الخاصرة الرخوة لـ”اسرائيل”، لضمان أمن وسلام الكيان الصهيوني.
وبالرغم من اعتراف هذه الدول الإستعمارية، على لسان “ماكرون”، بأنَّ (العالم يعيش نهاية عصر الهيمنة الغربية فيه، وهناك دول أخرى بينها روسيا، تأتي لتغير النظام العالمي) إلا أنهم يبحثون بجدٍ، أشكال و كيفية الإنقضاض على كعكة إعادة إعمارها، وإن وهمياً على الورق(كغطاء لعملية النهب التي ستستمر بعد الحرب)، بمبلغ يقارب العشرين مليون دولار التي سيطفؤون بها حرائق البرازيل.
لكن اللعبة لن تمر في سوريا (إلا في حال تدخل الطابورالسادس- الفساد)، فالشعب بصموده ومساندة الحليف الروسي، لن يسمح أنَّ تنطبق حسابات بيدرهم الإستعماري، على حسابات الحقل السوري، وليس كل لحم يؤكل…فاللحم السوري مُر جداً جداً!! .