تظهر مفاعيل التلوّث البيئي وتداعياته السلبيّة يوماً بعد يوم، وليس بالضرورة أن تكون كل هذه المفاعيل واضحة ومرئية، الأمر الذي يزيد من مخاطرها على كافة الكائنات الحيّة، حتى على الإمكانات الإقتصادية.
في هذا الإطار، حذر تقرير جديد للبنك الدولي من تدّهور نوعية المياه، في المناطق شديدة التلوث مما يؤدي إلى خفض الإمكانات الاقتصادية لتلك المناطق، مشيراً إلى أن “الأزمة غير المرئية” في جودة المياه، تهدد الرفاهية البشرية والبيئية.
ووفق ما جاء في التقرير أيضاً، فإنه في بعض المناطق تكون الأنهار والبحيرات، ملوّثة لدرجة أنها تحترق حرفياً. وتشمل الأمثلة الرئيسية بحيرة بيلاندور في بنغالور في الهند، حيث حملت الرياح رماد هذه الحرائق لمسافة تصل إلى ستة أميال، أو عشرة كيلومترات.
دخان على سطح المياه
ولا تقف المخاطر عند هذا الحد، ففي الوقت الذي تتسبب فيه العديد من المسطحات المائية الأخرى، في إحداث تلوّث بصورة أقل دراماتيكية، إلا أنّها مع ذلك لها نفس القدر من الخطورة، حيث أوضح التقرير أن هذه المسطحات المائية تحتوي على مجموعة سامة من البكتيريا، ومن مخلفات الصرف الصحي والمواد الكيميائية والبلاستيكية، التي تمتص الأكسجين من إمدادات المياه وتحوله إلى سم.
من الناحية الأخرى، تلقي دراسة البنك الدولي التي صدرت بعنوان “جودة غير معروفة: الأزمة غير المرئية في المياه”، الضوء على الطرق التي تتم بها هذه العملية، من خلال إستخدام أكبر قاعدة بيانات عالمية حول جودة المياه، تم جمعها من محطات المراقبة وتكنولوجيا الإستشعار عن بعد وأدوات التعلم الآلي.
بناءً عليه، يوضح التقرير ضرورة إيجاد الحلول، وإلاّ النتائج ستنعكس على كافة المجالات. بحيث يعتبر التقرير بأنه بدون إتخاذ إجراءات عاجلة، ستستمر جودة المياه في التدهور، مما يؤثر على صحة الإنسان ويخفض بشكل كبير من إنتاج الغذاء، وبالتالي يوقف التقدّم الإقتصادي.
إنعكاسات أخرى
أما عن أسباب التداعيات الإقتصادية، فيقدّر التقرير أن إنخفاضاً بمقدار الثلث في الإمكانات الإقتصادية، للمناطق المتأثرة بسبب إنخفاض جودة المياه، ينجم عن طلب الأكسجين البيوكيميائي، وهو كمية الأكسجين الذائبة التي تحتاجها البكتيريا، والكائنات البيولوجية الهوائية لإزالة وتحليل النفايات العضوية، في جسم مائي ما. لذلك وبمجرد أن يتخطى الطلب الأوكسجيني هذا مرحلة معينة، ينخفض النمو الإقتصادي في المناطق الواقعة أسفل مجرى المياه الملوثة، بنسبة تصل إلى الثلث بسبب الآثار السلبية، على الصحة والزراعة والنظم الإيكولوجية.
أما فيما يتعلق بإستخدام النيتروجين كسماد في الزراعة، فقال التقرير إن ذلك يعتبر مشكلة خاصة، حين يتعلق الأمر بالحفاظ على جودة المياه. إذ يدخل النيتروجين في الأنهار والبحيرات والمحيطات، ليتحول إلى مواد تعرف بإسم النترات. وهذه النترات ضارة بالأطفال الصغار، وفق ما يحذر التقرير، مما يؤثر على نمو وتطور المخ لدى الأطفال.
تفصيلياُ، تشير الدراسة إلى أنه مقابل كل كيلوغرام إضافي، من سماد النيتروجين يدخل في إمدادات المياه بصورة نترات، يمكن أن يزيد مستوى ظاهرة التقزم في الطفولة بنسبة تصل إلى 19%، مقارنة مع الأطفال الذين لم يتعرضوا له. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل يطال جوانب مستقبليّة لدى هؤلا الأطفال. وفق ما تضيف الدراسة أن لهذا الأمر أيضاً تأثير، على دخل الأطفال المتأثرين في المستقبل، حيث يقلل من دخلهم، بعد إنضمامهم لسوق العمل، بنسبة تصل إلى 2% .
مشكلة زيادة الملوحة
يشكّل أي خلل في التوازن البيئي خطراً، حيث أوضح التقرير أن من بين العوامل، التي تجعل الأرض أقل إنتاجية من الناحية الزراعية، زيادة الملوحة في المياه، التي تنتج بدورها عن الجفاف الشديد، وإشتداد العواصف وإرتفاع معدلات إستخراج المياه.
ويقدر التقرير أنّه في كل عام، يفقد العالم ما يكفي من الغذاء لإطعام 170 مليون شخص، أي ما يعادل عدد سكان بنغلاديش، بسبب زيادة الملوحة. ومن أجل مواجهة هذه التحديات، دعا البنك الدولي إلى إيلاء إهتمام فوري لهذه المخاطر، التي تواجه البلدان المتقدمة والنامية أيضاً، على المستوى العالمي والوطني والمحلي.
كذلك أوصى التقرير بمجموعة من الإجراءات، التي يمكن للبلدان أن تتخذها لتحسين نوعية المياه، ومن بينها تبني سياسات ومعايير بيئية؛ ورصد دقيق لمستويات التلوث؛ وإنشاء بنية تحتية لمعالجة المياه مدعومة بحوافز للإستثمار الخاص؛ فضلاً عن توفير معلومات موثوقة ودقيقة للأفراد، لإلهام وتشجيع مشاركة المواطنين.