في إيطاليا لا يمكن لأي لبناني أن يشعر بغربة، ولولا اختلاف اللغة لكانت أي مدينة إيطالية تشبه لبنان، نتحدث عن الناس لا الخدمات، عن البيئة المجتمعية لدولة تجمعنا بها قواسم “متوسطية”، وهذا انطباعنا من إن وطئت أقدامنا مدينة كاليميرا في مقاطعة ليتشي الإيطالية، هناك حيث يجمُلُ الجمال ويأتلق في عتيق الشوارع والحارات، يتماهى مع البحر في عناق أزلي الهوى، يأخذنا إلى فيافي الدهشة وسط صخب أنيق، ويشي بتفاصيل الحياة اليومية، أما البحر فحكاية أخرى، تفاصيل تشدو مع حرارة الموج وتوقها لرمل عاشق.

لم تكن زيارتنا في “جمعية Green Area الدولية” لغرض السياحة وإن جاءت متنفسا لنبتعد ولو قليلا عن هموم الحياة، حتى العمل والتدرب على رعاية وإنقاذ سلاحف البحر كان صعبا وشاقا، ولكنه عمل تفوقُ متعته حجمَ التعب والسهر على الشاطئ طوال الليل، عندما نغالب النعاس حتى يفقس البيض وتطل إلى الحياة سلحفاة صغيرة، هنا يزول التعب وتأخذنا اللحظة إلى قيمة الحياة واستمرارها، إلى البيئة بتوازنها، والبيئة بنظمها الإيكولوجية حيث يتجلى إبداع الطبيعة وسرها في سائر مخلوقاتها.

italia1

متحف كاليميرا الطبيعي

 

جاءت الزيارة إلى مقاطعة ليتشي في سياق التنسيق اللبناني – الإيطالي، فوجهت دعوتان، الأولى لمحمية صور الشاطئية ممثلة بنائب مدير المحمية المهندس حسن حمزة، والثانية لـ “جمعية Green Area الدولية” من “مركز إنقاذ السلاحف البحرية في متحف كاليميرا”Centro Recupero Tartarughe Marine (CRTM) in Museo di calimera، في مقاطعة ليتشي الإيطالية من جهة ثانية، هذا التعاون الذي انطلق من مدينة صور على شكل مشاريع تهدف إلى حماية الحياة البحرية وتعزيز الاستدامة، خصوصا مع محمية صور الشاطئية، جاء ليراكم تجارب علمية وعملانية.

تضمنت الزيارة مجموعة من الأنشطة والتدريبات، خصوصا ما يتعلق منها بحماية السلاحف البحرية وسبل معالجتها وإعادة إطلاقها في بيئتها الطبيعية، ولم تقتصر عل ذلك فحسب، وإنما توسعت لتشمل التعرف على الحياة البرية والوقوف على مختلف الأنشطة القائمة في “متحف كاليميرا”.

في المتحف مجموعة من الخبراء يعملون في مجالات عدة، منها عالم الحشرات، الفراشات، الزواجف، البرمائيات الطيور والحيوانات البرية بوجه عام، وفي المتحف أيضا يوجد مركز إنقاذ السلاحف البحرية، ويعمل الباحثون في المتحف على دراسة الأنواع وتوثيقها، ويستقبل المتحف الزوار، فضلا عن المتدربين الراغبين في العمل على حماية البيئة، وتلزمك أياما عدة لتجول في المتحف والغابة التابعة له، ولتتعرف على أدق التفاصيل ومعرفة سائر الكائنات التي تعيش في هذا المحيط، وهو يستحق المشاهدة.

italia2

 

 مركز إنقاذ السلاحف

 

أياما عدة أمضيناها في مركز إنقاذ السلاحف، تعرفنا خلالها على تسع حالات موجودة لسلاحف بحرية مصابة أو مريضة، واستقبلنا مع المركز حالة جديدة لسلحفاة تغلغلت فيها الطفيليات، وكنا نتلقى التدريبات مباشرة من الخبيرة فرنشيسكا أوروسكوبي Francesca Oroscopi وتحت إشراف مباشر من مدير المركز الخبير في عالم الزواحف بيارو كارلينو Piero Carlino، وتابعنا كل هذه الحالات وتعرفنا عليها ووقفنا على طرق علاجها، وعلى مجمل الخطوات الواجب اتخاذها من لحظة استلام السلحفاة المصابة حتى إطلاقها في البحر.

كل ذلك ساعدنا على أن نكون مستعدين للبدء في لبنان بخطوات مماثلة، خصوصا مع استعداد الفريق الإيطالي لتقديم المساعدة التقنية وكذلك المشورة الطبية في هذا المجال.

italia3

حماية الأعشاش

 

اللافت للانتباه تمثل في تعاون المواطنين لجهة التبليغ عن وجود أعشاش السلاحف، فيقوم “متحف كاليميرا” بإيفاد خبرائه لحمايتها، ولا يقتصر الأمر على شاطئ محدد فحسب، ويحدث ذلك بدعم من الشرطة المحلية والبلدية التي تقوم بإحضار حواجز لتسييج وحماية الأعشاش، قبل عشرة أيام من تاريخ الفقس المحتمل، ويرسل مركز الإنقاذ أحد المتطوعين للمبيت جانب كل عش ومراقبته.

مع وصولنا، أبلغنا عن حالات فقس في أحد الأعشاش، وتوجهنا مع مدير المركز بيارو كارلينو Piero Carlino إلى الشاطئ وقمنا بالتخييم ومراقبة العش ليلا، وفي هذا المجال كان واضحا أن المركز يعتمد طريقة طبيعية للفقس بدون أي تدخل، ويعود سبب ذلك إلى أن لا مفترسات طبيعية قريبة من الشاطئ تهدد البيوض أو صغار السلاحف، وأيضا لا وجود لأضواء قريبة، والنشاط البشري يقتصر على ساعات محددة على الشاطئ، كل ذلك يساهم في حماية الأعشاش وتركها تفقس بشكل طبيعي.

مع بدء عملية الفقس توافد رواد الشاطئ للمشاركة في إطلاق السلاحف الصغيرة، وكانوا يتابعون عملية خروجها من البيض وقياس حجمها ووزنها من قبل الباحثين في المركز والوفد اللبناني المشارك، وكل ذلك بشغف واهتمام.

 

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This