لن يكون حديثنا اليوم عن “البيئة” كمفهوم علمي بل عن “البيئة الحاضنة” للمرأة المتزوّجة، الأم العاملة، التي تحاول جاهدة وبشتى الطرق أن توازي بين واجباتها العائلية من جهة والعملية من جهة أخرى. لا مجال هنا لتداخل “الأفكار الذكورية” التي تشير إلى أن المرأة مكانها المنزل ودورها يقف عند عتبته ونقطة على السطر.. نحن نتحدّث عن واقع إقتصادي ملموس يجبر الزوجة على مساعدة شريك حياتها – الذي تعاهدت وإياه على السرّاء والضرّاء – في مصاريف الحياة الباهظة التي تثقل كاهلهم وتمنعهم من تأمين اللازم لأطفالهم من ضروريات والقليل من الكماليات!!
عمل الأم مغامرة تدفع ثمنها من جيبها، ورغم صيت الغنى الذي قد يحسدها البعض عليه دون معرفة أسباب عملها وتداعياته، تتقبّله بصدر رحب، فصيت الغنى أفضل من صيت الفقر.
لن ندخل في تفاصيل معاناتها داخل القطاع الذي تعمل فيه ولا عنائها بعد الدوام من الإهتمام باحتياجات المنزل والأولاد والزوج، تماماً كما لن ندخل في جدل حول التعب الجسدي الذي ينهكها آخر النهار، ناهيك عن إمكانية مرضها وضعفها … أمور استهلك الحديث عنها مراراً وتكراراً، لكن المشكلة الأساسية تكمن فعلاً في طريقة تأمين أولادها خلال دوام العمل أولاً وفي عطلة الصيف والأعياد ثانياً، وخصوصاً إذا خدمة الأهل لم تكن متوفّرة، وثالثاً في فصل الشتاء فماذا تفعل بأولادها بعد انتهاء الدوام المدرسي؟؟
حلول كثيرة قد تكون متوفّرة في غياب قدرة الأهل والأقارب على القيام بالدور اللازم، منها الحضانات المخصصة للأطفال أو مراكز التسلية التي باتت تحدّد نشاطات خاصة للاولاد في الأعطال والاعياد الرسمية، إضافة إلى خدمة ما بعد الدوام المدرسي الذي باتت تقدّمه مختلف إدارات المدارس فيساعدون في الفروض المدرسية وغيرها…
نعم، هي حلول جيّدة طبعاً، لكن ألا يأتي على بال أحد أسعار هذه الخدمات المطروحة؟ فكل جهة تستفيد من النقص لدى الجهة الاخرى وتستنبط خدمات تستفيد من خلالها، لكن أسعارها تكوي فعلاً من يدفعها!
لماذا قد تعمل الزوجة إذا كانت تستطيع تأمين بدلات هذه الخدمات؟ أو بالأحرى ماذا تبقّى لها من أجرها الشهري في ظل أسعار مهولة تُطرح؟
صحيح هي امرأة متزوّجة وأم، ولكنها لن تتخلّى عن الإهتمام بأطفالها إن لم تكن فعلاً مضطرّة للعمل خارج المنزل لمؤازرة زوجها في معركة الحياة أو الموت التي بات اللبناني يواجهها في صلب واقع اقتصادي لا يرحم.
وبالتالي وفي حين أن القانون اللبناني لا ينصف المرأة العاملة، فهو اكتفى بعطلة أمومة 70 يوماً رفعها منذ بعض السنوات ممنناً إياها فيها.. وفي حين أن البعض يستفيد من تقصيرها لينهش ما تبقى من أجرها.. فإن كل ما تحتاجه الأم العاملة هي لفتة إنسانية، بيئة حاضنة، إن لم تكن من دولتها فمن أصحاب عملها وعائلتها لأنها فعلاً إمرأة كادحة! نها !
لا يخلو البلد من أصحاب عمل كادحين أدركوا قساوة الحياة عليهم وعلى زوجات وأمهات طبع التعب وجوههنّ ومُسح بتسجيل نجاحات أولادهنّ.. فتحيّة لكل ربّ عمل احترم أمومة العاملات معه وسهّل أمورهنً وأمّن لهنّ البيئة الحاضنة، على أمل أن يشكّل قدوة لغيره ولدولته في احترام إمرأة تهزّ العالم بيمينها والسرير بيسارها..