لاقى الغزو التركي شجباً وإدانة ًدوليين، إلا أنَّ “إردوغان” ، رفض إيقاف غزوته، قائلاً: “لن نتراجع… سنواصل هذه المعركة حتى يبتعد جميع الإرهابيين مسافة 32 كلم عن حدودنا”.
لحظة لو سمحتم، أليست هذه المسافة ذاتها التي وردت في مشروع المنطقة الآمنة شرق الفرات، والتي اتفق عليها اردوغان مع ترامب!!
نعم ذات المنطقة التي أرادها الأتراك بعمق 40 كم، آخذين بعين الإعتبار أنها بذلك ستشمل حقلي رميلان والجبسة، التي تقدر الطاقة الإنتاجية لهما بحوالي 90 ألف برميل يومياً، ويتبع لهما حوالي 1300 بئراً، بالإضافة إلى حقول اليوسفية التي تنتج 1200 برميل يومياً، ومعها معمل السويدية لمعالجة الغاز بطاقة إنتاجية تتجاوز الــ 650 ألف متر مكعب يومياً، هذا عداك عن مئات آلاف الهكتارات من الأراضي الخصبة المحيطة بنهري دجلة والفرات، فيما كانت رغبة الأميركي تتمثل بمنطقة بعمق 5-15 كم، الى أن توصل الطرفان الى إتفاق يقضي أن تكون المنطقة التي تمتد على طول 460 كم، وعمق 30 ميل(48.279 كم)”، فعن أية عقوبات اقتصادية يتحدث وزير الخزانة الأميركية، طالما الإثنان (دافنينو سوا)!!!
ثم عن أي إرهابيين يتحدث هذا السلجوقي،وهو يقاتل اليوم بعديد من المرتزقة، من بقايا “جبهة النصرة” الإرهابية، من الذين فتح لهم باب التطوع للقتال مع الجيش التركي، فور دخوله الأراضي السورية منذ سنواتٍ، وشكل لهم مؤخراً، جيشاً سماه “الجيش الوطني السوري”؟!.
وكان “إردوغان” الذي أراد مراراً الخروج من عباءة واشنطن، قد وعد “ترامب”، عندما حملّه الأخير مسؤولية حماية هؤلاء، بأن تواصل قواته وحلفاءه حراسة أي مسلحين تم أسرهم في السجون التي يسيطر عليها الأكراد،( فهم يعلمون ما لايعلمه أحد عن موضوع ال40 طن ذهب)، لذلك تراه منذ بداية الحرب يركز ضرباته على منطقة “عين عيسى” و “تل أبيض”، حيث توجد سجون لكبار قادة داعش، ومخيمات لعائلاتهم (تحوي بين 18000 و 700000 شخص).
وفي حين لم تأتِ رسالة “نتنياهو” التضامنية مع الأكراد، كرمى لسواد عيون، صالح مسلَّم وغيره، فدولة الكيان الصهيوني، تستخدم الأكراد(الفصائل المقاتلة ضد الدولية السورية، كي لا نظلم جميع الكُرد)، كأحصنة لتحميل ونقل(سرقة) النفط السوري، حيث قامت رئيسة الهيئة التنفيذية لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، إلهام أحمد، بداية 2019 بمنح رجل الأعمال الإسرائيلي “موتي كاهانا” وشركته “عماليا”، تفويضاً علنياً بتمثيل “مسد” في جميع الأمور المتعلقة ببيع النفط المسروق من المناطق الكردية شرق الفرات(نشرنا القضية بالتفصيل في مقالة سابقة)، وليس مستبعداً أن يكون هناك مخططاً لتكرار حقيقي للسيناريو العراقي، (75% من واردات إسرائيل من النفط تصل إليها من كردستان العراق- بحسب الفايننشال تايمز البريطانية).
كان القيصر الروسي”بوتين”، يعلم بأنه وفور بدء الغزو، نشطت حركة تهريب فظيعة لعائلات الإرهابيين المحاصرين في ادلب، بهدف إفراغ المحافظة منهم (العقدة التي عرقلت كل حلول السلام)، الأمر الذي يعد بداية نهاية معركة “إدلب”، فهو (القيصر) يريد ضمان نهاية معركة إدلب على الطريقة الروسية (دون عمليات عسكرية)، فكلامه لم يأت من فراغٍ حين أكد ” انتهاء الأعمال القتالية واسعة النطاق في سوريا”.
وبما أنَّ “بوتين” يعلم أدق التفاصيل عن ما يفعله “إردوغان”، فهو اليوم يسعى، أكثر من أي وقتٍ مضى، الى حصره في عنق الزجاجة (الأميركية-الكردية)، لذلك سمح له بشن الحرب على الأكراد كخيارٍ أخير للتركي، قبل أن يفرض عليه الانسحاب من شرق الفرات، كما سيُخمد الأكراد أصحاب النزعة الإنفصالية(عصفورين بحجرٍ واحدة) ولكن الأهم من كل ذلك انه سيحصد نصراً دبلوماسياً جديداً، يضمن به فتح قنوات لإعادة الحوار السوري –التركي، والسوري -الكردي.
يضرب السوريون القدماء، عند رؤيتهم خصومة بين إثنين كل منهما أنجس من الآخر، مثلاً شعبياً يقول: “ناب كلب في جلد خنزير”، دعهم يقتتلون، ومن ثم نفرض ما نريد على المنتصر المُنهك، أليس هذا تماماً، مايفعله الروسي اليوم تاركاً التركي ينهش “قسد” فيما تُهمش هي وجه (صورة) التركي دولياً، حتى ينسحب التركي من الشمال السوري، وتعود كل قوات قسد الى أمرة الجيش العربي السوري.