اختنق لبنان من جنوبه إلى شماله بنيران الحرائق التي حاصرته وقيّدت حركة المواطنين ، فعلت صرخات الإستغاثة، من كل حدب وصوب. وكأن المواطن اللبناني لا يكفيه واقعه الإقتصادي والصحي فأتت الطبيعة لتصبّ نار غضبها على أرض لبنان، فمن يتحمّل المسؤولية؟
سؤال يتم تداوله بعد كل حريق يكون أسرع من قدرات الدولة على إخماده، فيأكل البشر والحجر وما تبقّى من الأخضر واليابس أو ما تركه المواطنون من هذا الغطاء الحرجي الذي يشارف على نهايته في بلد لا يحترم بيئته. لا أحد ينكر أن ارتفاع درجات الحرارة تشكّل سبباً رئيسياً في اندلاع الحرائق، لكن هذه المصيبة وإن لم تكن مفتعلة فهي لا بدّ نتيجة إهمال المواطن برمي أوساخه في الاحراج وترك الزجاج أو النايلون أو البلاستيك في أرض الغابة . هي حالة متكرّرة سنوياَ في الصيف والخريف الذي يتحوّل حارقاً بكل ما للكلمة من معنى ويؤدي إلى خسارة بشرية وأخرى طبيعية لا مجال لتعويضها.
يقول الدكتور جورج متري أن كثافة الحرائق في غابات الأمازون لهذا العام والتي صدمت العالم هي 0.016 حريق/كم٢ أما كثافة الحرائق في غابات وأحراج لبنان لهذا العام وصلت إلى 0.16 حريق/كم2 أي عشرة أضعاف كثافة حرائق الأمازون!
فهل من يكترث في لبنان؟ أين هي الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الحرائق؟ أين متابعة الأنظمة التي قد تنذر بخطر يحدق بغابة معيّنة أو بحرج مذكور؟ أين حرس الأحراج؟ أين مسؤولية المواطن في حماية بيئته انطلاقاً من ممارسة النظافة الشخصية على الأقلّ بعد كل نزهة يقوم بها إلى احراج لبنان؟ أين قدرات الدولة التي كانت ولا تزال ضئيلة أمام هول كارثة الحرائق التي تتكرّر سنوياً دون أن يتحرك المعنيون بدعم مادي لزيادة القدرات لإطفاء الحريق في بداياته؟
واذا سألنا عن الطوافتين المخصصتين لإطفاء الحريق اللتان تم شراؤهما منذ فترة، يأتي الجواب الوقح بأنهما غير صالحتين وبحاجة لصيانة كلفتها عالية.. فالأفضل تزيين أرض المطار بهما!!
في التفاصيل المؤلمة، اندلع حريق ليل الأحد-الإثنين في منطقة المشرف، وقد تأجّج صباح اليوم ،على الرغم الجهود المكثفة التي يقوم بها عناصر الدفاع المدني بمواكبة فرق الجيش اللبناني ومساعدة البلدية وابناء المنطقة. وقد أتى الحريق على مساحة آلاف الأمتار المتصلة بعدد من الأبنية السكنية وجامعة رفيق الحريري اضافة الى الاحراج، وساهمت الرياح الشديدة في امتداد النيران وفقدان السيطرة عليها، الا ان الخسائر حتى الآن اقتصرت على الماديات والاشجار والطبيعة. تجددت فجر اليوم الحرائق في المشرف، واندلع حريق كبير في مساحات كبيرة من أحراج الدبية في الشوف. وتسبب الطقس الحار والرياح السريعة بامتداد الحرائق من كل الجهات حتى باتت تهدد المنازل في الدبية. وأكّد الدفاع المدني أنه يعمل على إخماد النيران خصوصًا حول المنازل.
من جهتها، ناشدت جمعية اليازا واللجنة اللبنانية للوقاية من الحرائق المسؤولين وبلديات الشوف لإعلان حال الطوارىء وطلب الدعم من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والامن العام وامن الدولة.
كما إندلعت عدة حرائق ليلا في بلدات عكارية : حريق في خراج بلدة الدوسة أتى على مساحة من الأعشاب اليابسة وامتد ليطال أشجار السنديان، وقد عمل عناصر ومتطوعو الدفاع المدني في مركز البيرة على إخماده. كما إندلع حريق في بلدة القبيات إلتهم مساحة من الأرض العشبية اليابسة وعمل عناصر الدفاع المدني في مركز القبيات على إخماده. وأيضا حريق في خراج بلدة السنديانة العكارية إلتهم مساحة من الأعشاب اليابسة وامتد ليطال مساحة من أشجار السنديان وقد تمكن الدفاع المدني في مركز القبيات على إخماده. وحريق في خراج بلدة عين تنتا أتى على الأعشاب اليابسة وأشجار الزيتون وعمل الدفاع المدني في مركز دير جنين على إخماده. واندلع حريق في حرج السنديان في بلدة عين يعقوب جبل العريض عكار، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وهبوب هواء حار. وفي الجنوب شب حريق كبير في خراج بلدة صفاريه في منطقة جزين، وقد عمل الدفاع المدني طيلة الليل حتى صباح اليوم على اخماده بصعوبة نظرا لشدة الرياح بعدما قضى على 45 دونما من الاشجار الحرجية. كما اندلع حريق في بلدة عاراي قضاء جزين، قضى على حوالي 7 دونمات من أشجار السنديان وغيرها، وتعمل فرق من الدفاع المدني على إطفائه.وقد اندلع ليل أمس “حريق كبير” في أحراج القرنة الحمرا – مزرعة يشوع – زكريت في المتن.
صور وفيديوهات تنتشر على مواقع التواصل الغجتماعي وعبر التلفزيونات، واقع موجع لكل مشاهد، فهل نتساءل كيف سيكون حال العالقين بين أسنة النار من عجزة وأطفال وأهالي عاجزة عن حماية فلذات أكبادها ورزقها ولقمة عيشها؟؟
خسائر طبيعية، بشرية، نفسية وصحية تتكرّر سنوياً وترتفع حدّتها مع اشتداد أزمة الإحترار المناخي، قد تخمد هذه الحرائق غداً أو بعده أو بعد شهر، تكون المصيبة قد حصلت، والخسارة قد سجّلت وماذا بعد؟ هل تعود الحياة إلى طبيعتها وكأن شيئاً لم يكن؟
كوارث متنقلة يجب ان تكون جرس انذار للحكومة اللبنانية من اجل وضع الخطط اللازمة للتعاطي الجدي مع حالات مماثلة. كل هذه الحرائق يعمل الدفاع المدني بمؤازرة طوافات الجيش على إخمادها واستعانة بطائرات قبرصية لإطفاء الحرائق، فكيف سيتمكّن من العمل بالتوازي في مختلف أطراف البلد؟ أين يكمن الحل؟ فالصرخات لا تعلو إلا عند حدوث الفاجعة، أما صرخات المعنيين المحذّرة لاستدراك الوضع قبل الحادثة، فلا أذن تسمع ولا عين ترى!!!
في هذا البلد، قد يكون العون الإلهي هو الحل الأنسب، ونحن اليوم بأمس الحاجة لأمطار تخمد هذه الحرائق وتحمي بلدنا من كارثة محتّمة !