لا يزال يوجد ملايين الأطفال حالياً يعانون من سوء التغذية. ففي حين أخذ عدد الأطفال الذين يعانون من التقزّم يتناقص في جميع القارات ما عدا أفريقيا، باتت زيادة الوزن والسُمنة يتزايدان في كل قارة، بما في ذلك أفريقيا، وبمعدل سريع.
وعلى مستوى العالم، يعاني ما لا يقل عن نصف جميع الأطفال، دون سن الخامسة من الجوع المستتر: نقص المغذيات الأساسية التي تظل غالباً غير ملحوظة إلى أن يصبح الأمر متأخراً جداً.
وعلى الرغم من تنوّع وتطوّر كافة أشكال المواد الغذائية، إلاّ أنّها تبقى بمعظمها أكثر ما يهدد أطفال العالم. فوفق اليونيسيف فإن طفلاً واحداً من بين كل ثلاثة أطفال، لا ينمو جيداً بسبب سوء التغذية.
التحوّل الغذائي
وفق تقرير اليونيسيف فمن المتوقع أن يتعاظم هذا العبء. بحيث أنّه لم يتم تحقيق في أي بلد تقدماً، في تقليص مستويات زيادة الوزن والسُمنة خلال السنوات العشرين الماضية.
ومن الأمور التي أدت إلى تفاقم مشكلة التغذية، بدأ الأسر والمجتمعات المحلية ترك أنماطها الغذائية التقليدية، التي غالباً ما تكون صحية، وإعتماد الأنماط الغذائية العصرية، التي عادة ما تكون مليئة بالأغذية الجاهزة وذات محتوى عالٍ من الدهون المشبعة، والسكر، والصوديوم، وتفتقر للمغذيات الأساسية والألياف.
لذا كانت النتيجة الإنتشار الأكبر لزيادة الوزن والسُمنة بين قاطني المدن، إضافة إلى معدلات أعلى من الإصابة بالسكري وإرتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
ومن المتوقع أنّه بحلول عام 2050، سيعيش 70 في المئة من المراهقين في المدن، حيث سيكونون أكثر عرضة من أي وقت مضى لتسويق الأغذية غير الصحية، وللأمراض المرتبطة بالنمط الغذائي.
تسويق غير صحيّ
أحد الأسباب الرئيسية وراء تفاقم مشكلة سوء التغذية، هي عملية تسويقها والإعلانات المرتبطة بها. إذ يُعتبر التسويق جانباً مهماً من بيئة الغذاء، وعاملاً مؤثراً رئيسياً على النمط الغذائي للطفل. بحيث يتعرض الأطفال يومياً إلى حجم كبير من تسويق الأغذية غير الصحيّة.
وفي هذا السياق، وجدت دراسة حديثة أجريت في 22 بلداً أنه في مقابل كل إعلان عن أغذية صحية، هناك أربعة إعلانات تروّج الأغذية غير الصحية. ويبلغ هذا التفاوت حجماً أكبر في البلدان المرتفعة الدخل من قبيل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
فيما تشهد البلدان الأقل دخلاً تزايداً مطرداً أيضاً، في إستهلاك الأغذية غير الصحيّة، فما بين عامي 2011 و2016، إزدادت مبيعات الوجبات الجاهزة بنسبة 113 في المئة في الهند، و 83 في المئة في فيتنام، و 64 في المئة في مصر.
في الجهة المقابلة، ومقارنةً مع التسويق التقليدي عبر التلفزيون والمطبوعات، يشكل التسويق الرقمي تحدياً فريداً. ويُقدَّر أن واحداً من كل ثلاثة مستخدمين لشبكة الإنترنت في العالم هو طفل. ومع صعود الهواتف الذكية، يتمتع مسوقو الأغذية بقناة مباشرة للإعلان، يمكنها إستهداف الأطفال بصفة محددة، وهي متوفر لهم في جميع الأوقات تقريباً.
كلفة سوء التغذية بالأرقام
لا تقتصر خسائر سوء التغذية على المجال الصحيّ، بل أيضاً تطال الإقتصاد. إذ يبلغ معدل خسارة الدخل على إمتداد الحياة المرتبط بالتقزّم 1,400 دولار لكل طفل، ولكنه قد يتجاوز 30,000 دولار في البلدان الأكثر ثراءً.
أما الخسائر الإقتصادية في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل، الناجمة عن الأمراض المتعلقة بزيادة الوزن والسُمنة، بما فيها أمراض القلب والسرطان والسكري والأمراض التنفسية المزمنة، فستتجاوز 7 تريليونات دولار خلال الفترة 2011–2025.
في حين، يبلغ التأثير التراكُمي المُقدَّر على الإقتصاد العالمي الناشئ، عن الأشكال المختلفة لسوء التغذية حوالي 3.5 تريليونات دولار سنوياً، أو 500 دولار لكل فرد.
بناءً على هذه الأرقام، فلقد أصبحت الحاجة لزيادة الإستثمار أمر ضروري. إذ تصل كلفة تحقيق الغايات العالمية للقضاء على التقزّم بين الأطفال، دون سن الخامسة 8.50 دولارات إضافية لكل طفل سنوياً.
وهذا الإستثمار يُعتبر صغيراً بالمقارنة مع، إنفاق الشركات متعددة القوميات على إعلانات الغذاء والمطاعم، بل أنه يحقق مردوداً مدهشاً. فكل دولار يُستثمر في الحد من التقزّم، يولّد عوائد إقتصادية مقدرة تكافئ حوالي 18 دولاراً في البلدان المثقلة بالأعباء.