إنه فيروس “كورونا”- كوفيد 19 شاغل العالم في مختلف أقاصي الأرض، مرض صنّفته منظمة الصحة العالمية على أنه “وباء” يجب تدارك تداعياته. هو وباء حيّر الدول العظمى ومختلف دول أوروبا ووضعها في حيرة من أمرها في كيفية معالجة نسب التفشي الكبيرة من دون أي سابق إنذار !
لبنان، هذا البلد الصغير الذي لم يكن ينقصه فيروس الكورونا فأتاه ليكمل على ما تبقى من أمل في تحسّن أوضاعه من مختلف الجهات. ومنذ اكتشاف الفيروس بين ربوعه في 21 شباط-فبراير وتدابير الحماية العامة تتّخذ تباعاً بدءاً بإغلاق المدارس ووقف الطيران من والى البلدان الموبوءة، مرورا بمطالبة المواطنين بإعلان حالة الطوارىء وإعلان الحكومة التعبئة الصحية العامة وصولا الى المطالبة بإعلان حظر التجول الالزامي وفرض الامر حتى ولو بالقوة العسكرية.
بين المطالبات من جهة واستجابة الحكومة من جهة أخرى لنصائح لجنة الصحة النيابية ولجنة الطوارىء لمكافحة كورونا فضلاً عن إرشادات منظمة الصحة العالمية.. لا بدّ من الإشارة إلى أن مواجهة وباء بهذا الحجم لا يمكن استغلاله سياسيا ولا يشكّل مادة دسمة لتصفية حسابات سياسية بين فئة وأخرى، في المقابل، والأهمّ أن المواجهة تتطلب عملا جماعيا مشتركا حكومة وشعباً .
في الشق الأوّل، وللأسف فإن الامر واضح وضوح الشمس بأن المعايير الطائفية والسياسية هي التي تدير البعض منذ اكتشاف الحالة الأولى وتوجيه أصابع الإتهام إلى ايران واعتبارها صدّرت الفيروس عن قصد الى لبنان .. والبدء بكيل الإتهامات ضد الحكومة ووزير الصحة حمد حسن الذي وللأملانة، أثبت في أوّل امتحان قاسي له مدى حنكته واتزانه ورصانته كما مهنيته في معالجة المواضيع. وكأن اكتشاف مصدر الوباء ينفي حقيقة انتشاره السريعة ويخفّف من تداعياته!!
في المقلب الآخر، ولمجرّد الحديث عن عزل مناطق محدّدة ينتشر فيها الفيروس لتفادي خروج الأمور عن السيطرة، صعد جهابزة السياسة لينتفضوا على الواقع ويحسبوها مجدداً سياسياً وطائفياً ليعلنوا رفض عزل مناطق دون أخرى، وكأن للمرض هوية طائفية دينية او سياسية!
وزير الصحة حمد حسن ورغم تخوّفه من انتشار الفيروس بشكل أكبر، ورغم تشديده على ضرورة الإلتزام والتقيّد بإرشادات الوقاية واعتماد مبدأ الحجر المنزلي لكل المواطنين، لا يزال يأمل أن يتمكّن لبنان من السيطرة على المرض بأقلّ الأضرار الممكنة ويراهن على إطالة فترة الإنتشار للمحافظة على قدرة القطاع الطبي اللبناني على إعطاء الاهتمام الطبي اللازم لكل المصابين.
في هذا الإطار ونظراً لتوصيات لجنة الطوارىء الصحية الخاصة بالكورونا، فإن الحكومة اللبنانية تتخذ دورياً قرارات تضمن سلامة الناس وتخفّف من قدرة الفيروس على الإنتشار.. وبالتعاون مع البلديات جميعها، فإن تعاميم تصدر تباعاً من كل بلدية حسب موقعها تحدد من خلالها الواقع الصحي في نطاقها لتبني على الشيىء مقتضاه وتعلن تدابير خاصة بها بدءا من منع التجوّل وصولا الى عزل البلدة او المنطقة بمن فيها حفاظا على سلامة ابنائها.
بين تدابير الحكومة من جهة وفزلكات بعض المسؤولين من جهة أخرى، لا بد من الإشارة الى ان اعلان التعبئة العامة وحالة الطوارىء الصحية أراحت الكثير من الناس العاملة في القطاع الخاص التي لم تلتزم بالحجر المنزلي إلا بعد اتخاذ الحكومة هذا التدبير. وفي حين لا يزال يطالب البعض باعلان حالة الطوارىء العسكرية، الحل الذي تعتبره الحكومة الأخير في السيطرة على وتيرة وسرعة انتشار الفيروس، يبقى التشديد على ان المطالبة باعلان اي تدابير تعني الالتزام التام بها. فإن الحكومة او البلديات لا يمكن لوحدها ضبط التجوّل إذا لم يكون وعي المواطن هو الملزم الأوّل، فهل تلام الدولة في حين ان الافراح والأعراس لا تزال عامرة في بعض المناطق؟
هل تلام الدولة ومعامل متعددة لم تقفل أبوابها ولا تزال تجمع عددا كبير من العمّال في مكان واحد، فضلاً عن أصحاب مؤسسات ومحلات للكمبيوتر لا تأبه للكوارث التي يمكن ان تحصل بسب تجمّعات مماثلة ؟
هل تلام الدولة ولا يزال البعض يعتقد ان اجتماعه بجاره في نفس المبنى او زيارته لصديق الطفولة لن يشكّل أي ضرر له؟
هل تلام الدولة وبعض الناس تصرّ على التجمّع للصلاة رغم صدور تعاميم ايقافها؟
هل تلام الدولة وبعض الاشخاص يصرّون على ممارسة رياضتهم المفضّلة على كورنيش البحر او في الأحياء الضيّقة؟
هل تلام الدولة والعدد الأكبر من الناس يحاول التحايل على قراراتها عبر التمويه بعدم فتح محاله او التذرّع باعتماد وسائل التطهير والوقاية؟
هل تلام الدولة والمواطن غير المسؤول الذي يطلب منه الحجر بسبب شكوك باصابته بالفيروس، يخرج ليتمتّع مع اهله وأقاربه غير آبه بالعواقب ؟
هل يحقّ لهؤلاء نشر الأذيّة من دون وعي فيدفع اللبنانيون الخائفون ثمنًا لقلّة وعيهم ، هل يحق لهؤلاء ان يأكلوا الحصرم ليضرس من التزم بالتدابير كاملة؟
الحقيقة ان الفيروس لا يفرّق بين مواطن وآخر، وليس ببعيد عن أحد، وبالتالي فإن التعاضد والتكاتف في هذه الفترة هي الآلية الأكثر فائدة على مستوى الوطن، في حين أن التعويل الأكبر هو على وعي المواطنين بالمخاطر المحدقة ووضع كل شخص نفسه في حالة عزل ذاتي لتدارك الوضع قبل تفاقمه.
وبدلاً من رمي الاتهامات والتفتيش عن مصدر الفيروس واتهام الحكومة او وزارة الصحة بالتقصير لتسجيل أهداف سياسية، فلينطلق كل إنسان من نفسه ويتصرّف بوعي قبل فوات الأون، لأن الوباء عالمي والوقاية كما الحجر عامل مشترك بين الحكومة والشعب معاً.
إلزموا منازلكم وصونوا لسانكم، وليقم كل إنسان بدوره، اليوم هو وقت العمل وليس الفلسفة!