شكّل فيروس كوفيد- 19 حالة تأهب عالمية، طالت معظم الدول التي إتخذت الإجراءات الوقائية،على كافة الأصعدة تفادياُ لتفشيه أكثر. ومن ضمن الإجراءات التي إتخذت هي إغلاق المدارس، و كافة الأماكن التي تعتبر مرتعاُ للتجمعات البشريّة. ومما لا شك فيه، فهناك ضرورة لإتخاذ هكذا إجراءات، إلاّ أنّها خطوة لا تخلو من عواقب قد تكون أكثر خطورةً من الفيروس نفسه، على إعتبار أنّها طويلة الأمد.
في هذا السياق، ووفق تقرير صادر عن الأونيسكو، فقد أدى إغلاق المدارس في ثلاثين بلداً، في خطوة لإحتواء إنتشار مرض كوفيد – 19، إلى تعطّل الدراسة لعدد وصل إلى 290.5 مليون طالب حول العالم، وهذا العدد يمثل سابقة لم نشهد لها مثيلاً من قبل. مما أدى لمسارعة اليونسكو على الفور إلى دعم البلدان، وتقديم الحلول الكفيلة بضمان إنتفاع الجميع بالتعلّم عن بعد.
في هذا الإطار، تؤكد المديرة العامة لليونسكو، السيدة أودري أزولاي: “إنّنا نعمل مع البلدان لضمان إستمرارية وإنتظام التعلّم للجميع، وفي مقدّمتهم الأطفال والشباب المحرومون، الذين غالباً ما يمثلون الفئة الأكثر تضرراً من إغلاق المدارس. ومع العلم بأنّ إغلاق المدارس على نحو مؤقت خلال الأزمات كالأزمات الصحية لا يعدّ بالأمر الجديد للأسف، لكن تسارع وتيرة تدهور العملية التعليمية هذه المرة غير مسبوق، وإذا استمر الوضع على هذا الحال، سيدخل الحق في التعليم دائرة الخطر.”
تفصيلياُ، ووفق التقرير فقد لجأ 22 بلداً موزعاً في 3 قارات مختلفة، إلى قرار إغلاق المدارس، في حين كانت الصين البلد الوحيد الذي فرض مثل هذه الإجراءات. لكن سرعان ما لحقت بالصين بلدان أخرى لإغلاق مدارسها في جميع أنحاء البلاد، وقد وصل عددها إلى 30 بلداً، الأمر الذي طال 290.5 مليون طفل وشاب في المرحلتين قبل الإبتدائية وقبل الثانوية.
فيما إرتفع هذا العدد ليشمل 9 بلدان أخرى قررت بدورها إغلاق المدارس، في أماكن محددة فقط سعياً للوقاية من إنتشار الفيروس، وإحتوائه. أما في حال قررت هذه البلدان أيضاً إغلاق مدارسها كافة، فسيزداد عدد الطلبة المحرومين من التعليم بمقدار 180 مليون طفل وشاب.
وفي هذا السياق، وسعياً منها لإحتواء الوضع الراهن، شرعت اليونسكو في دعم تنفيذ برامج تعلّم واسعة النطاق عن بعد، وأوصت باللجوء إلى التطبيقات والمنابر التعليمية المفتوحة، كي يتسنى للمدارس والمعلمين التواصل مع المتعلّمين عن بعد. وتقدّم المنظمة، فضلاً عن ذلك، سلسلة من أفضل الممارسات لإستخدام أشكال التكنولوجيا الزهيدة التكلفة، عبر الأجهزة المحمولة لأغراض التدريس والتعلّم للتخفيف من وطأة هذه الأزمة التعليمية.
أما إتخاذ هكذا قرار على الرغم من ضروريته، سواء أكان مؤقتاً أو لا، ينطوي على إشكاليات عدّة، وتتعدّد الأسباب لذلك. فيما يأتي تقليص عدد ساعات التعليم في مقدّمة هذه الأسباب، كونه يؤثر على تحصيل الطلبة. فلا شكّ في أنّ التحصيل الدراسي يتكبد أضراراً جمّة جرّاء إغلاق المدارس، ناهيك عن الخسائر الأخرى التي يصعب قياسها، خاصة المتاعب التي تتكبدها الأسر، والإنكماش الإقتصادي في ظل الجهد الذي يبذله الأهل، لموازنة إلتزاماتهم في العمل مع إلتزاماتهم تجاه أطفالهم ورعايتهم.
ويؤدي هذا التعطيل، فضلاً عن ذلك، إلى تفاقم أوجه التفاوت في النظام التعليمي، إذ تبدي العائلات الميسورة في ظل مثل هذه الظروف، قدرة أكبر على الحفاظ على مستويات أعلى في التعليم، وتوفير موارد أكثر لسد الثغرات التعليميّة، وتزويد أطفالها بأنشطة إثرائية تعويضاً، لعدم قدرتهم على الذهاب إلى المدرسة.
لذلك ومن هذا المنطلق، تعمل اليونسكو على قدم وساق، للتصدي لإنتشار مرض كوفيد – 19 الذي بات معضلة صحيّة خطيرة، تطال اليوم العالم أجمع. ولن تتوانى المنظمة لحظة عن مواصلة رصد نطاق أزمة إغلاق المدارس، وإتساعها الجغرافي وستظل على أهبة الإستعداد، لدعم البلدان في سياق التدابير الشاملة التي يتخذونها.