يحاول الشعب اللبناني عند مواجهته لكل أزمة أن يتأقلم معها على اختلاف الظروف والأوضاع، وفي حين أن المواطن اعتاد ان يعيش حربا طوال أيام حياته بين الفقر والموت جوعاً، فهو يبتكر كل الوسائل المؤاتية لضمان انتصاره في النهاية!

جلّ ما يطلبه المواطن اللبناني لقمة العيش الحلال التي بعد أن كانت الأزمة الإقتصادية تقتطع نصفها، أتى الكورونا وسرقها من عدد كبير من العائلات التي انتقلت من مرحلة الفقر إلى ما تحتها، فكان التوجّه نحو الزراعة من جديد، نحو اكتشاف الطبيعة من جديد، عسى أن يكون هذا التوجّه سببا رئيسيا في اكتشاف مدى عطاء الطبيعة الأم للإنسان مقابل ما اقترفت يد هذا الأخير فيها على مدى عقود طويلة.

لو كان الوباء وحده من أدى الى عزلة الناس لكان البلد بألف خير ولكن الاحوال الإقتصادية  باتت هي المرض الاول والاساس لكل العائلات التي خسرت غالبيتها تنوّع مصادر رزقها وأجبرت على الدخول في عالم قد يكون بعيد جداً عن احوالهم المعتادة.

ففي ظلاء الغلاء المستفحل لمختلف انواع السلع، وتخفيفاً للمصروف العائلي، اتجه غالبية افراد العائلة نحو الزراعة المنزلية في حديقة المنزل لمن توفّرت لديه او على الشرفات واسطح المباني. واكبر دليل على ذلك تهافت الناس الى محلات بيع الحبوب والمشاتل الزراعية بنسبة اكبر بـ 70% من الفترات السابقة، فضلاً عن توفير بعض المحطات التلفزيونية فقرات خاصة بموضوع الزراعة المنزلية وتفاعل الناس مع مقدميها او ضيوفها من المهندسين الزراعيين او المزارعين بشكل كبير جداً.

وفي استفتاء للعائلة الضيّقة الصغيرة، تجد ان الجميع استنبط ولو بقعة صغيرة او عاود تحضير بقعة ارض قريبة منه لتجهيزها للزراعة  للتسلية اولاً ولتأمين اي قوت يقي الجوع ويساهم في توفير العائلة لمبلغ معيّن قد يساهم بشراء انواع أخرى من الضروريات الحياتية.

مصائب قوم عند قوم فوائد، فمع مصيبة غلاء الاسعار وتحليق اسعارصرف  الدولار لدى الصرافين وفي السوق السوداء، ارتدّ الناس نحو الطبيعة الام التي لطالما كانت هي الأساس، إلا ان العولمة وعصر التكنولوجيا قطعوا انفاسها وقضوا على طيبتها، واليوم مع عودة الناس الى وطنهم الأم “الطبيعة” التي لم تبخل عليهم، يبقى الامل بأن يدركوا قيمتها ويدركوا ما اقترفت ايديهم بها من تشويه وحرق وتعديات ..  وتعود لتصبح البيئة  فعلا من الاولويات والطبيعة من المحرّمات!

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This