يحتفل العالم اليوم باليوم العالمي للبيئة، في وقت ابح الانسان بأمسّ الحاجة لبيئة حاضنة وطبيعة معطاءة يهتمّ بها فتوهبه من خيراتها التي تبقى هي الاساس في استمرارية الحياة. يتزامن الاحتفال هذا العام مع جائحة كورونا التي عزلت المناطق والدول كما البشر فساهمت في تنفّس الارض وأعادت تذكير الإنسان بأهمية بيئته ونظافة هوائه .
ويظهر وباء كوفيد 19 المستمر -وهو الأحدث في سلسلة تفشي الأمراض الحيوانية المنشأ- أن صحة الكوكب مرتبطة بصحتنا، ويواجه مليون نوع من النباتات والحيوانات خطر الانقراض، وقد يواجه بعضها ذلك في إن المحركات الخمسة الرئيسية لفقدان التنوع البيولوجي على النحو المحدد في أحدث تقرير للمنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية.
في هذا الإطار، وتحت شعار “التنوع البيولوجي”، تحتفل دول العالم باليوم العالمي للبيئة، ويدشن الاحتفال بهذه المناسبة حملة عالمية بعنوان “حان وقت الطبيعة” لتدق جرس الإنذار وتبعث برسالة للجميع حول التحديات والمخاطر التي تواجهها الطبيعة من حولنا، خاصة وأن الأغذية التي نتناولها، والهواء الذي نتنفسه، والمياه التي نشربها، والمناخ الذي يجعل كوكبنا صالحا للعيش فيه، كلها عناصر جوهرية تأتي من الطبيعة. وقد بدأ الاحتفال بهذه المناسبة عام 1974، وتشكل بعدها برنامج الأمم المتحدة للبيئة مما ساعد على زيادة الوعي وتوليد زخم سياسي حول المخاوف البيئية المتنامية مثل استنفاد طبقة الأوزون وارتفاع انبعاثات الكربون بنسبة تسعين بالمائة والمواد الكيميائية السامة وازدياد التصحر وارتفاع حرارة الأرض، كما تطور اليوم العالمي للبيئة ليصبح منصة عالمية للتواصل البيئي العام ويحتفل به الملايين من الناس في أكثر من 100 دولة، بهدف اتخاذ الإجراءات الضرورية الخاصة بالقضايا البيئية العاجلة.
وبين عامي 2010 و2015 فقط، اختفت 32 مليون هكتار من الغابات، وخلال الـ150 سنة الماضية، تراجع غطاء الشعاب المرجانية الحية بمقدار النصف، بينما تذوب ثلوج المنطقة القطبية بمعدلات مذهلة وتزداد حمضية المحيطات، وتختفي أنواع الحياة البرية بشكل متسارع، وهو ما يهدد بفقدان التنوع البيولوجي وانهيار أنظمة الغذاء والصحة عبر العالم.
وقد دق علماء البيئة والمناخ خلال الأشهر القليلة الماضية، مرارا وتكرارا ناقوس الخطر بشأن انهيار التنوع البيولوجي وحالة الطوارئ المناخية، وأكدوا أن العالم يواجه أزمة بيئية غير مسبوقة، وأن من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة هذا العام لوضع العالم على المسار الصحيح، وعكس اتجاهات خسارة الطبيعة بحلول عام 2030 واستعادتها إلى مستويات أكثر استدامة بحلول عام 2050.
ويرى العلماء أن الحلول القائمة على الطبيعة تقدم أفضل طريقة لتحقيق رفاهية الإنسان ومعالجة تغير المناخ وحماية الكوكب. ويؤكدون أن الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات وقرارات مهمة تؤثر على الناس أينما كانوا ولأجيال قادمة، تشمل التوقف عن تدمير بيئتنا الثمينة والبدء باستعادة الطبيعة حتى تتمكن من الاستمرار بتزويدنا بالضروريات مثل الطعام والأخشاب والمياه والهواء النقي.
وقد أكد تقرير جديد صادر عن الصندوق العالمي للحياة البرية، تراجع الطبيعة عبر 140 دولة تمتد من الهند إلى البرازيل، وحذر من أن الاستمرار بهذا النهج والتقاعس عن القيام بالخطوات والمبادرات اللازمة المطلوبة سيقود إلى نتائج كارثية، وسيكلف العالم ما لا يقل عن 479 مليار دولار سنويا، تتصاعد إلى 9.87 تريليون دولار بحلول عام 2050.
كما توقع التقرير ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الرئيسية على مدار الثلاثين عاما القادمة، حيث سيكون القطاع الزراعي بجميع دول العالم هو الأكثر تضررا من تراجعات الطبيعة، مثل نقص المياه وانخفاض أعداد النحل والحشرات الأخرى الملقحة. وقد يؤدي هذا بنهاية المطاف إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية للمستهلكين على مستوى العالم، مع ما يترتب على ذلك من آثار على الأمن الغذائي بالعديد من المناطق.
وتعد مبادرة “الجدار الأخضر العظيم” بالقارة الأفريقية نموذجا للجهود الدولية الهادفة للحفاظ على الطبيعة ومكافحة المخاطر التي تهددها، وتم إقرار هذه المبادرة عام 2007، وتجمع 20 دولة، وتهدف لإنشاء أكبر حزام أخضر عبر عرض أفريقيا بأكمله من السنغال غربا إلى جيبوتي شرقا بحلول عام 2030، على أمل وقف زحف أكبر صحراء في العالم، وتحسين الأمن الغذائي بمنطقة الساحل الأفريقي وسحب ملايين الأطنان من الكربون من الغلاف الجوي. وسيكون الحزام بعد اكتماله، أكبر كيان حي على هذا الكوكب ومؤشرا دوليا للبشرية بشأن قدرتها على التعامل مع الطبيعة، حتى بالأماكن الصعبة والتغلب على الشدائد وبناء عالم أفضل للأجيال القادمة.
وتعمل أجهزة الأمم المتحدة ذات الصلة على توفير الخبرات والمبادرات وتشجع إقامة الشراكات لحماية البيئة عن طريق إلهام وتمكين الأمم والشعوب لتحسين نوعية حياتهم دون المساس بأجيال المستقبل. وتتبنى الشركات الكبرى والمنظمات غير الحكومية والمشاهير من جميع أنحاء العالم مناصرة وتأييد مبادرات وجهود حماية البيئة.
وفي الخامس من يونيو من كل عام تستضيف إحدى مدن العالم الفعاليات الرسمية لهذا اليوم، وستستضيف كولومبيا احتفالات هذا العام بالشراكة مع ألمانيا. وتحتل كولومبيا المرتبة الأولى بالعالم من حيث أنواع الطيور والتنوع البيولوجي للكوكب، والثانية في النباتات والفراشات وأسماك المياه العذبة والبرمائيات، كما تضم عدة مناطق ذات تنوع بيولوجي بمنطقة الأنديز، وجزءا من غابات الأمازون المطيرة.
ويعتبر التنوع البيولوجي الأساس الذي يدعم جميع أشكال الحياة على الأرض وتحت سطح الماء. فهو يؤثر على كل جانب من جوانب صحة الإنسان، ويوفر الهواء النقي والمياه، والأغذية الصحية، ومصادر الأدوية، ومقاومة الأمراض، والتخفيف من وطأة تغير المناخ، حيث تنتج الأشجار سنويا أكثر من نصف الأكسجين بغلافنا الجوي، وتنقي الهواء إذ تمتص كل شجرة ما يقرب من 22 كيلوغراما من ثاني أكسيد الكربون، وعلى الرغم من كل المنافع التي تقدمها الطبيعة، تتواصل الأنشطة البشرية المسيئة لها على بقاع كثيرة من كوكبنا، وقد غيرت هذه الأنشطة بشكل كبير ثلاثة أرباع سطح الأرض وثلثي مساحة المحيطات.