بين الأمس واليوم لا حديث في الأفق إلا عن الاوبئة، كيفية الوقاية منها، بدايتها ونهايتها، فيعود الأجداد إلى استذكار أوبئة سابقة ليؤكدوا نهايتها فيتمنون حصول ذلك مع وباء كورونا ، فمتى تكون النهاية؟
يعتمد انتهاء الأوبئة على عدة أشياء مثل: سرعة العدوى، معدل الوفاة بسبب الوباء، مدى الوعي المجتمعي بطرق الوقاية وتطبيقها، سرعة توفر علاج أو تطعيم ضد المرض، وجود طرق تشخيص سريعة وفعالة ومتوفرة.
ولكن بشكل أساسي ينتهي الوباء عندما لا يوجد من يتلقى العدوى ويحمل المرض لينقله مرة أخرى، إما عن طريق مناعة ما بعد العدوى أو مناعة اللقاح.
لنلقي نظرة على أشهر الأوبئة بالمقارنة بكوفيد-19 وكيف نجى منها جنس البشر.
أولا: الإنفلوانزا الأسبانية أو The Spanish flu
والذي بدأ في عام 1918 أثناء الحرب العالمية الأولى وحصد أكثر من 50 مليون روحا وأصاب قرابة ال500 مليون شخص، وحيث أن العالم لم يعرف الفيروسات ولا مضاداتها بعد، وأن ظروف الحرب من تجمعات البشر وقلة العناية بالنظافة جعلت السبيل الوحيد للتغلب على المرض أن يحمل من نجى من هذا الفيروس مناعة ضده فيوقف نقله للغير، والذي حدث في 1919 بعد انتهاء الحرب وموت الكثير من الناس.
ثانيا: أنفلونزا الخنازير أو H1N1 virus
ظهر هذا الفيروس لأول مرة في المكسيك عام 2009 شهر يناير وانتهى في 2010 شهر أغسطس، بعد اكتشاف عقاقير مضادة له والتمكن من صنع لقاح يقي منه، وفي هذه الأثناء تسبب في وفاة أكثر من 284000 (نسبة الوفاة: 0.02%) شخص رغم أنه قد أصاب ما يقارب ربع سكان الكوكب (24%).
ثالثا: SARS
استمر من 2002 حتى 2004، وكانت بدايته في الصين، ورغم أن نسبة تسببه في الوفاة كانت مرتفعة (15%) إلا أنه لم يصب أكثرمن 8000 شخص في هذه الفترة، لأن قابليته للعدوى ضعيفة ثم حدثت تحورات للفيروس جعلته أكثر خطورة ولكنها زادت في صعوبة تنقله من إنسان لآخر وأصبحت سببا في أن جسم الإنسان لم يعد حاضنا مناسبا له، وبذلك انتهى الوباء.
رابعا: Ebola
بدأ هذا الوباء في غينيا عام 2014 ورغم شدة أعراضه وارتفاع معدل الوفيات بسببه حيث أن 30%-50% ممن يصاب به لا ينجو منه، إلا أن انتقاله بين البشر لم يكن سهلا لأنه كان ينتقل من خلال سوائل الجسم، كما أن شدة الأعراض تلك جعلت اكتشافه مبكرا وعزل المرضى ممكنا، فقد أصاب 28652 شخصا في 10 دول على مدار عامين، حتى تمت السيطرة عليه في 2016 بعد إيجاد مصل له.
خامسا: الجدري أو Smallpox
والذي بدأ منذ القرن الرابع وظل يعود مع كل تمدد للحضارات أو الشعوب على مدار ما يقارب الخمسة عشر قرنا.
بعض الإحصائيات تقول أنه تسبب في موت حوالي 300 مليون شخص في القرن العشرين، فمعدل وفياته كان 30% ولم يكتشف له علاج فكان حتى من ينجو منه يعيش بندوب وآثار جروح لا يمكن إزالتها، ولكن مجهودات العلماء ومنظمة الصحة العالمية تمكنت من القضاء عليه بعد اكتشافهم للمصل وقيامهم بحملات تطعيم واسعة وشاملة، فكانت آخر حالة أصيبت به في عام 1977.
سادسا: MERS
وهو فيروس من نفس عائلة الفيروس المتسبب في كوفيد – 19 والSARS في السعودية في مارس 2012 ورغم أن معدل انتشاره ليس سريعا حيث أنه أصاب 2404 شخصا فقط حتى الآن، إلا انه تسبب في وفاة 858 منهم (تصل معدلات الوفاة التي يتسبب بها إلى 40%)، ولم يتم اكتشاف علاج أو لقاح له بعد.
سابعا: كوفيد-19
كما رأينا، ليس كوفيد-19 أول أو آخر مرض يشعرنا بالتهديد.
إذا قارنناه بSARS وMERS -حيث أنهم من نفس العائلة الفيروسية-،
حتى الآن بالمعلومات المتوفرة لدينا، في كل 50 شخص مصاب:
قد يقتل كوفيد-19 شخصا واحد،
بينما الMERS قد يقتل 17 شخص،
والSARS قد يقتل 5 أشخاص.
ولينتقل المرض لأول 1000 شخص:
استغرق كوفيد-19 48 يوما فقط (نسبة العدوى 30-40%)،
بينما استغرق الMERS عامين ونصف(نسبة العدوى 4-13%)،
واستغرق الSARS 130 يوما.
مع ذلك، يجب أن ندرك أن ما يعرفه العلماء عن هذا الفيروس الجديد ما زال قيد التحديث، حيث أن أي نسب له نقارنها بنسب للفيروسات الأخرى، ليست كاملة إحصائيا، لأننا لم ندرس تأثيراته لمدة سنة على الأقل، كما أننا لم نجر اختبارات لجميع الأفراد لنعلم حجم العدوى الحقيقي.
فهذا الفيروس الذي ظهر في مدينة ووهان في ديسمبر 2019، أصاب حتى الآن قرابة المليونين ونصف مليون شخص حول العالم، تماثل ما يقارب 600,000 للشفاء بينما وافت المنية 150,000 منهم.
إحصائيا، كل شخص حامل للفيروس ينقل العدوى ل2.2 شخص ، ومتوسط نسبة الوفاة التي يتسبب فيها الفيروس تقارب 6% ولكنها قد تختلف من بلد لآخر حسب عوامل عدة كما أن هذه النسب ليست دقيقة للأسباب التي ذكرناها سابقا كما أن كثير من الحالات قد تمضي غير مشخصة بسبب بساطة أعراضها حتى الشفاء.
سيناريوهات انتهاء كوفيد-19:
أما عن انتهاء الوباء فإما يكون عن طريق:
إيجاد العلاج أو اللقاح،
أو عن طريق المناعة المجتمعية والتي تحدث عندما تكون شريحة عريضة من المجتمع حصينة ضد الفيروس إما عن طريق أنهم انتهوا من دورة المرض أو بعد إيجاد لقاح مناسب فيصعب تنقل الفيروس بين الأشخاص،
أو تحور الفيروس لنوع لا يتناسب مع جسم الإنسان مع تحسن مستويات الصحة العامة.
ولكن القضاء على هذا الفيروس من العالم تماما لن يكون سهلا حيث أن قابليته للعدوى قوية جدا وتحوراته ليست مؤكدة (قد تحدث في اتجاه يجعل التعامل معه أصعب)، فذلك يحتاج أن نجد وسائل تشخيص مناسبة وأن يكون الإنسان هو العائل الوحيد.
أو يصبح مثل فيروس الإنفلوانزا الذي يتحور سنويا ولكن نظرا لتوصل العلماء لعلاج ولقاح له أصبح بإمكانهم أن يواكبوا التغيرات التي تطرأ على النموذج السابق الذي يعرفونه، مما يمكنهم من التعامل معه بطريقة جعلت نسبة وفياته لا تتجاوز 0.1% رغم أن نسبة عدوته عالميا تصل إلى 9%.
حتى تلك النهاية المرتقبة، الوقاية من الإصابة مثل تجنب التجمعات والأماكن المزدحمة والحرص على غسل الأيدي بانتظام، يعتبر أهم خطوة لإبقاء أكبر عدد ممكن بصحة جيدة، حيث أن حامل الفيروس لن يخاطر بمرضه شخصيا فقط، بل أيضا بنقل الفيروس لأكثر من شخصين آخرين (طبقا لنسب العدوى) واستنزاف النظام الصحي بحيث لن تتوفر الرعاية الصحية المناسبة لمن يحتاجها مما سينتج عنه خسائر جمة في حياة البشر.