على ما يبدو أن عنوان “ثورة الجياع” الذي أطلق على انتفاضة 17 تشرين كان فضفاضًا نظرا لما نشهده اليوم من جوع، فقر، وانهيار اقتصادي يغيب المسؤولون عنه بكل راحة بال!!
حينها، كانت الشرارة الأولى اقتراح وزير الإتصالات آنذاك زيادة ضريبة قدرها 6 دولارات على استعمال تطبيق “واتساب” المجاني. فكرة أصبحت الشعرة التي قصمت ظهر البعير، لكن الواضح أن ما وصل إليه حال البلاد اليوم قضى على “البعير” بشكل كامل!!
صحياً، “كورونا” تفتك بشباب البلد وشيبه .. وتفتح شهيّة مافيات الدواء وأجهزة التنفّس كما بعض المستشفيات على سحب ما تبقّى من أموال في جيوب المواطنين، وإن لم تتوفّر فتُسحب أرواحهم!!
سياسيًا، حدّث ولا حرج، خلافات وانقسامات، غياب تام للواجبات والمسؤوليات معًا، كلّ يغنّي على ليلاه والأسعار نار تتآكل المواطن يومًا بعد يوم!
نقديًا، بورصة الدولار تسرح على هواها في السوق السوداء، في حين أن ودائع الناس مسروقة بينما سعر الدولار الرسمي لا يلتزم به إلا القليل، ونشرة الصرافين اليومية لزوم ما لا يلزم، فالدولار فاق التسعة آلاف ليرة لبنانية والنشرات الرسمية وغيرها من دون قيمة!
اقتصاديًا، وهنا بيت القصيد، أجور اللبنانيين لا تزال بغالبيتها بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الأساسي 1500 ليرة، في حين أن أسعار السلع مهما اختلف نوعها ترتفع مع ارتفاع سعر الدولار ولا تنخفض مع إنخفاضه- إذا حصل- فتعيش الناس تحت رحمة التجار في أصغر الحاجيات التي باتت مختصرة إلى أكبرها!
أما قضية السلع المدعومة، فليست أكثر من أضحوكة تحاول فيها الجهات المعنيّة طمأنة المواطنين، في حين أنها تنتهي، إما خارج لبنان عبر التهريب، وإما بين أيدي التجار الذين يحجزونها لحين رفع الدعم فيحققون صفقة العمر .. وعلى عينك يا تاجر في كلا الجهتين!
ربطة الخبز التي هي قوت الفقراء، فسعرها هي الأخرى يرتفع خجولّا، لكنه يرتفع وبموافقة وزارة الإقتصاد رغم أن الطحين مدعوم! أما أسعار الخضار، وحتى المحليّة منها تسير ما قافلة الفحش والغلاء من دون رحمة المواطن اللبناني بأخيه اللبناني!
وفي ما يخصّ الأسماك واللحوم، فلا نجدها إلا على موائد الأغنياء، بحيث أن الفقراء- الذين أصبحوا يشكّلون أكثر من ثلاثة أرباع الشعب اللبناني- باتوا يحلمون بطبق الفاصوليا أو المجدّرة عوضًا عن الرز والبرغل!!
في الإقتصاد أيضًا، أسعار البنزين تباغت الشعب اللبناني وتستغفله في خضمّ انهماكه في لملمة ما تبقّى من فتات أحلامه، فترتفع تباعًا من دون حسيب أو رقيب!
في القضاء، الحال ليست بأفضل، فالتمييع سيّد الموقف في عملية التحقيق الجنائي والمحاسبة الفعلية لمن نهب خزينة الدولة وأموال الشعب معًا، في حين أن ضحايا إنفجار بيروت بانتظار العدالة الموعودة منذ شهر آب الماضي، بينما استجواب بعض المعنيين من جهة والتفكير بمحاسبة آخرين يتطلّب استحصال رضى الطائفة من جهة ورأس الزعامة من جهة أخرى!
أما إجتماعيًا، فالفقر هو السيّد الأكبر، هو الملك على انتشار السرقات وعمليات الإنتحار، فضلًا عن العنف المنزلي ضد النساء والأطفال، تفكّك الأسر والطلاق، ناهيك عن الهجرة وتداعياتها..
وبين الإقتصاد، السياسة، وكورونا، تداعيات لا تحمد عقباها على الصحة النفسيّة للكبار والصغار معًا .. وفي ظل ال”حب” المفقود لبعضنا البعض من جهة، وتلهي فئة معينة بالتلاسنات ورمي الإتهامات يمينًا وشمالًا من جهة أخرى، وتلهّي الأخرى بالتفتيش عن فتات لقمة عيش بالحلال، وفي ظل غياب تام للمسؤوليات الرئاسية .. هل سنكون أمام ثورة جياع حقيقية؟