كم من دموع احترقت و كم قلوب انكسرت و انما ليس في الامر حيلة في ظل الواقع المرير الذي فرض نفسه و كان الفراق الى حد الانسلاخ عن الارض و الوطن و العائلة و الاهل و الاحبة هذا هو قدر اللبناني اليوم الذي يعيشه باقسى تجاربه حتى اتجهت كل الانظار الى الهجرة في باعداد مهمة خصوصا من فئة الشباب و ذوي اصحاب الاختصاص سواء في الطب و غيره فالوطن في ازمة صعبة جدا و الثقة مفقودة في الدولة و مؤسساتها التي شارفت الى الانهيار و التعابير مؤلمة من صرخة ام ّلولدها “حرقللي قلبي و اختار الهجرة البلد فضي واولاد اشتقاقوا الى ابيهم بالقرب منهم و غير ذلك من مأساة اجتماعية زعزت الكيان اللبناني و سبببت المزيد من الاكتئاب و لوعة الفراق ليطرح السؤال نفسه : ما هي الابعاد النفسية المتأزمة التي يعاني منها كل من قرر الابتعاد عن بلده الامّ وسط خيبة امل في اللاعودة ؟
تعددت الاسباب والهجرة واحدة
امام ذلك لا بد من التوقف انه ليس المهاجر وحده من يعاني من آلام عاطفية ونفسية، فالأقرباء يعانون حتما من مشاعر التخلي والفقدان والكآبة والحزن وشيء من العداء تجاه الراحلين لأنهم يعانون بسببهم. ويُنظَر أحياناً إلى الفراق كما يُنظَر إلى الموت، خصوصا في ظروف قسرية أدت إلى الهجرة. فالعودة غير قريبة والفراق نهائي منذ بدايته، وكما جاء في الأمثولة الشعبية: الفراق هو قليلٌ من الموت. هذه المقارنة بين الرحيل والموت يمكن أن تتخذ شكلاً أكثر كثافة، فيُصبح الراحل بحكم الميت.
في هذا الاطار عددت الاختصاصية في علم النفس العائلي الدكتورة ديالا عيتاني عبر ل greenarea.info ان من يسعى وراء الهجرة له دوافعه سواء ايجابي ام سلبي مما قالت : “يجب علينا ان نميز في مسألة الهجرة منها عن اقتناع و منها رغما عن الشخص الذي لجأ اليها بمعنى هناك الهجرة عندما يسافر الانسان مخطط لها لبناء مستقبل افضل عندها لانلمس مشكلة نفسية عنده رغم كل التغيير الذي يعيشه ان كان من ناحية في العادات او التقاليد بل يشعر بسعادة داخلية في تحقيق ما يصبوا اليه اذ ان اندفاعه الى الهجرة بدافع تحسن واقعه نجده راضي عن كل شيء و ليس الهروب دون نقمة مما يؤمن ذلك له راحة نفسية له كونه مخططا لذلك خصوصا اذا كانت عائلته معه فيطمئن اكثر في تامين مستقبلها و الانتقال الى مرحلة جديدة في حياتهم . بالمقابل اذا كانت الهجرة مرغما عنها فهنا المشكلة بحد ذاتها بما تسبب له من ازمات نفسية تعكسها سلبا ليس فقط عليه بل على محيطه مما يزرع جوّا من التشنج فيصبح ناقما و شرسا و حاقدا على الواقع المريرالذي يعيشه نتيجة ما وصلت اليه الازمة الصعبة التي يمر بها لبنان خصوصا و انه قرر الهجرة بدافع اليأس حيث ان عملية التحفيز عنده غائبة دون طموح مستقبلي مترافق ذلك مشاعر سلبية و اشمئزاز من الوطن الى حد النفور من كل شيء حتى على عائلته واهله و هنا علينا محاوطته و استيعابه اكثر و مساندته خصوصا اذا كان مقررا ان ينسلخ عن اهله رغما عنه اما اذا اخذ معه افراد عائلته فالامر يصبح اخف وطأة عليه كون القرار اتخذ بالاجماع عندما لم يلمسوا اي تقدم ملموسا في وطنه .”
و تابعت الدكتورة عيتاني :” ان عملية التأقلم في بلدان الخارج صعبة للغاية و ليست بالسهل بل تحتاج الى وقت نظرا للعادات الجديدة التي تواجه المهاجر . اما من ناحية تاثر الاهل على فراق اولدهم فيصابون بالضغط النفسي فمنهم لا يعبرون عن ذلك امامهم و هذه صعبة كثير و منهم ما يشعرون بالحزن الى حد الوحدة و الانعزال انما الذي يهدىء وجع الاهل على اولادهم هو الفيدو كول الذي بات يعزز الروابط العائلية من خلال هذه العملية التواصل في ما بينهم.”
الازمات النفسية لا تحصى
من جهة اخرى اعتبرت المعالجة النفسية الدكتورة سالي غندور ل greenarea.info بان الهجرة لها ابعاد نفسية اجتماعية مما قالت :”في البداية علينا ان نعرف مدى تأثير الهجرة وفق العمر لكل فرد على سبيل المثال اذا الولد تركه ابوه بداعي الهجرة مما يشكل عنده ازمة نفسية كون والده بعيدا عنه ولم يعد هناك من احتواء و احتضان له عندما يكون الاب موجودا في البيت خصوصا اذا تعود منذ صغره ان والده خارج المنزل دوما . اما اذا كانت الهجرة عند الشاب فيشكل له ازمة نفسية عندما لم يعد عنده ايمان بالوطن الذي هو الامّ و مدى سلخ عنه فعليا و عن اصحابه و عن بيئته و مجتمعه و عاداته بل صار موجودا في بلد اخر له تقاليده و عاداته الجديدة عليه .انما المهم في ذلك انه لا نستطيع ان نعمم ان الهجرة تسبب عند الجميع ازمات نفسية في ظل التواصل اليومي عبر الفيديو كول عبر مواقع التواصل الاجتماعي مما يشكل نقاط قوة لدى المهاجر ولكن مع ذلك تبقى الهجرة لها تاثير سلبي على العائلة كلها عدا الازمة النفسية التي تعاني منها الام عندما يهاجر ابنها ليؤسس حياته في بلد اخر بعيدا عنها في حال قرراللاعودة لانه لم يعد يؤمن في بلده و ليس هناك من سلطة او قانون يحميه . و الاصعب في ذلك ان الذي يعيش الغربة ويؤسس من الصفر خصوصا اذا كان متزوجا عدا الوجع النفسي الذي يعانيه عكس الذي يريد السفر خارجا للتعلم وهو في عمر18 سنة و من ثم يعود الى وطنه و عائلته عندها تكون الازمة النفسية عند والدته اخف نظرا ان هناك امل في العودة .”
الازمة الاقتصادية وغياب التحفيز
بدورها توقفت الاختصاصية في علم النفس الدكتورة كلوديا ابي حرب عبر ل greenarea.info حول الازمة الاقتصادية و ما تركت من معاناة يومية ترجمت بازمات نفسية عند الهجرة مما قالت :”لا شك ان السبب الهجرة هو ضيق اقتصادي الى حد الانهيار على كل الاصعدة في لبنان سواء معيشي و امني فلم يعد عند الشخص اي افق مستقبليا لكي يحقق ما يريده و في حال بقي في البلد فيحتاج الكثير من الوقت ليستعيد عافيته خصوصا ان العمر يمرعلى غفلة و هو مازال غير قادرا على الزواج ليؤسس عائلة .كل هذه العوامل تدفع بالاغلبية اللبنانيين ان تفكر بالهجرة خصوصا الشاب الذي ينتظر حتى يتخرج ليدخل الى سوق العمل فلا يجد عملا له في ظل المنافسة و المضاربة على مركز معين عدا الواسطة التي تدخل حيز التنفيذ في ايجاد العمل عندها كيف يستطيع ان يبني مستقبله و يؤسس عائلة اذا الايجار اوشراء المنزل بات مكلفا جدا و الامر نفسه المدفوعات اليومية جميع هذه العوامل تدفعه الى الهجرة ليجد فرصا للعمل اكثر . و الجدير ذكره انه لاحظنا في الاونة الاخيرة هجرة اطباء باعداد هائلة لان يعرض عليهم في دول الخارج مبالغ اكثر مقارنة مع سعر صرف الدولار في لبنان و المهم في ذلك فاذا استمرينا بالازمة الاقتصادية فديموغرافية البلد ستتغير مما نلاحظ ان هناك انهيار نفسي الى ارتفاع نتيجة التأثير السلبي النفسي في هجرة الاولاد عن عائلتهم عدا انه الذي يهاجر يعيش الصراع النفسي عندما يسافر تارك اهله لانه اذا بقي بقربهم غير قادر ان يعيلهم مما تكون صعبة عليه و على اهله .”
فقدان الثقة
في المقلب الاخر اعتبرالاختصاصي في علم الاجتماع الدكتور محمد بدرا عبر لgreenarea.info ان غياب تقدير الكفاءة في لبنان دفعت شريحة مهمة من الشباب المتعلم الى الهجرة مما قال :”ان الهجرة لها عدة اسباب منها ان الاشخاص الذين عندهم كفاءات يشعرون بعدم التقدير ل و ان المردود المالي اقل مما يستحقون بينما في الخارج يتم تقدير كفاءاتهم كل ذلك نتيجة الوضع الاقتصادي المتأزم و ما لحق معه من خسائر انمائية فمع ارتفاع الدولار و الازمة المعيشية بات يطلب اللبناني العيش خارج الوطن كونه يقبض بالدولار و يؤمن معيشته. انما بالمقابل الاخطر في ذلك هو فقدان الكفاءات في القطاع التربوي مما يعني ان وصلنا الى كارثة على هذا الصعيد و للاسف لاننا وصلنا الى مرحلة فقدت الناس ثقتها بوطنها.”