تظهر يوما بعد يوم مخاطر التغير المناخي على البشر، من خلال ما تمثله من خطر على البيئة ينعكس بدوره على حياة الناس. هذا الخطر يترجم من خلال الكوارث الطبيعية التي ازداد وقوعها وخطورتها خلال السنوات الأخيرة، اذ كشفت دراسة نشرتها دورية “ناتشر” البريطانية أن أكثر من 86 مليون شخص يعيشون حالياً في مناطق تعدّ الأكثر عرضة لفيضانات شديدة منذ عام 2015، بالمقارنة بتقديرات قاطني هذه الأماكن في عام 2000، وذلك بفعل ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة.
وقد استند الباحثون في هذه الدراسة على عمليات الاستشعار عن بعد عبر الأقمار الإصطناعية، لإنشاء أكبر قاعدة بيانات حول مخاطر الفيضانات المحتملة والأماكن المهددة بالغرق، مشيرة إلى ضحايا الفيضانات خلال الشهر الماضي في كل من الصين وألمانيا وبلجيكا، وتأثير معدلات الأمطار الشديدة في غرب أوروبا في غرق السدود واجتياح المياه مدناً بأكملها.
بناء عليه يجب على الدول اخذ الاحتياطات اللازمة لتدارك خطورة هكذا نوع من الكوارث، بحيث قال كولين دويل، مدير مركز “كلاود تو ستريت” لتعقب الفيضانات وتحليل المخاطر، “يجب التعامل مع هذه المخاطر بالمرونة المطلوبة، وهي التأقلم على الأحداث القادمة، وفي نفس الوقت إنشاء بنية تحتيه كشبكة للأمان في حالة وقوع هذه المخاطر”، مشيراً إلى زيادة نسبة الأفراد الذين يعيشون في مناطق أكثر عرضة لمخاطر الغرق من الفيضانات ما بين 20 إلى 24 في المئة منذ عام 2000.
كذلك أشار دويل إلى أن صور الأقمار الإصطناعية الجديدة ساهمت في خروج بيانات دقيقة حول الأسباب المتنوعة للفيضانات، والتي شملت انهيار السدود وذوبان الثلوج، وارتفاع سطح البحر ليغرق اليابسة والأمطار الشديدة وغيرها.
يلعب النطاق الجغرافي للسكان دوراً في مدى خطورة حدوث الفيضانات، وفي هذا الاطار ذكرت الدراسة أن الزيادة السكانية والفقر وعدم وجود بدائل، تعدّ من العناصر التي تجبر الأشخاص على النزوح إلى المناطق الأكثر عرضة للتعرض للفيضانات. لذا ووفق بريندين يونجمان، المتخصص في إدارة المخاطر في البنك الدولي، فإن الحكومات عليها مسؤولية نقل الأشخاص المعرضين لمخاطر الغرق بالفيضانات من تلك المناطق.
ارتفعت في الآونة الأخيرة حوادث الفيضانات وارتفعت معها اعداد الضحايا، اذ نقلت صحيفة “الغارديان” عن دراسة نشرت في مجلة “نيجر”، حدوث 913 فيضانا خلال الفترة منذ عامي 2000 إلى 2018، إذ تأثر بها ما بين 255 إلى 290 مليون شخص بصورة مباشرة.
في حين، وجدت الدراسة أيضا أن النمو السكاني في المناطق التي شهدت فيضانات خلال تلك الفترة ارتفع بنسبة 34.1 بالمئة، أي أكثر من إجمالي الزيادة السكانية العالمية البالغة 18.6 بالمئة. وهذا يعني أن عدد الأشخاص الذين سيتعرضون لتهديد الفيضانات في العقد المقبل، سيبلغ عشرة أضعاف العدد المقدر للأشخاص الذين تعرضوا للفيضانات منذ مطلع القرن، حسبما كتب المؤلفون.
في حين ستتأثر مناطق أكثر من غيرها بهذه الفيضانات، اذ توقعت الدراسة الجديدة أن 57 دولة على وجه الخصوص – بما في ذلك أجزاء من أميركا الشمالية وآسيا الوسطى ووسط أفريقيا – ستشهد زيادات كبيرة في نسبة سكانها الذين يتعرضون للفيضانات بشكل مباشر.