يتأثر الأمن الغذائي العالمي مع استمرار جائحة كوفيد -19، التي اكتسحت العالم وأثرت على مختلف القطاعات. غير أن التأثير الأكبر على صعيد الغذاء، طال الأمن الغذائي العربي وأوهنى قدرة المنطقة العربية، الضعيفة أصلاً، على المواجهة.
هذا التأثير يبدو جلياً من خلال إجراء مقارنة بسيطة، فيما يتعلق بالأرقام قبل و بعد الجائحة. فقبل الجائحة، كان 27 في المائة تقريباً من سكّان المنطقة (116 مليون نسمة)، يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وكان قد تفشى في المنطقة نقص التغذية الذي طال 10 في المائة من السكان، وسمنة البالغين التي طالت 26 في المائة منهم.
وتجدر الاشارة، الى أن الأمن الغذائي يعرّف بأنه قدرة الدولة على تأمين المخزون الكافي من السلع الغذائية للأفراد خلال فترة زمنية محددة، لا تقل عن شهرين ولا تزيد على سنة، إلى حين أن تستطيع تجديد هذا المخزون مرة أخرى، وتختلف هذه المدة حسب الدولة والمادة الغذائية نفسها.
وبحسب تعريف منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو)، فإن الأمن الغذائي هو توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع، بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة، من أجل حياة صحيّة ونشطة.
أما عن مقومات الأمن الغذائي، فهي تتمثل في خصائص الدولة الجغرافية والمناخية ووفرة المصادر المائية ووفرة الموارد البشرية ووفرة الأراضي الزراعية والمراعي والغابات، ووفرة الثروة الحيوانية وامتلاك التكنولوجيا الحديثة.
يحلّل تقرير الصادر عن الأمم المتحدة حول الأمن الغذائي، الاختلالات التي سببتها الجائحة من عدم توفّر الغذاء، وعدم المساواة في الوصول إليه، واستخدامه بشكل غير كاف، والتغييرات في سلوك المستهلكين. ويتناول ارتفاع المخاطر من حيث ندرة الموارد الطبيعيّة، والصدمات الاجتماعية والاقتصادية، والاعتماد على استيراد الغذاء، والآثار المتزايدة للصراع.
ورغم التوقّعات بتحسّن الظروف في عام 2022 في أعقاب جائحة كوفيد-19، غير انّه على ما يبدو سيبقى الغذاء ضمن التحدّيات من ناحية إمداده، لأن توافره محلّيا سيكون دون المستويات المتوقّعة قبل الجائحة، ولو بشكل طفيف، وفق ما يوضح التقرير.
تفصيلياً، كان إنتاج الحبوب وسيبقى دون 40 في المائة من المستوى المطلوب. ونظراً لمساهمة هذا الإنتاج الكبيرة في النظام الغذائي، ستواصل المنطقة اعتمادها على الأسواق العالميّة لتأمين احتياجاتها الغذائيّة.
في حين ستواجه البلدان المتأثّرة بالأزمات تحدّيات معقّدة في مجال الأمن الغذائي نتيجة عوامل عديدة اشتدّ تأثيرها خلال الجائحة مثل الصدمات الاقتصادية، ودمار البنية السياسيّة، والأزمات الاجتماعية والسياسية والصراع المسلّح.
لذلك تتطلّب معالجة قضية الأمن الغذائي في المنطقة العربية، رؤيةً وآليات إدارية تحسّن مرونة النُظُم الغذائية وسلامتها وأداءها. وعلى الحكومات معالجة الصعوبات على مستوى الاقتصاد الكلي والتصدّي في الوقت نفسه للقيود المتزايدة على صعيد الموارد الطبيعية، وذلك من خلال الابتكارات التكنولوجية، والتعاون وبناء الشراكات في المنطقة، ودعم القطاع الخاص، وتطوير صناعة غذائية إقليمية مستدامة وشاملة.