اكتشف الأطباء أن الإقامة الطويلة على متن محطة الفضاء الدولية تغيَر إلى حد بعيد التفاعلات بين الخلايا العصبية في المادة البيضاء بدماغ الإنسان.
ويستند هذا الاستنتاج العلمي إلى دراسة أجريت على 12 رائدا نُشرت في مجلة Frontiers in Neural Circuits العلمية.
وأوضح، أندريه دوروشين أحد مؤلفي الدراسة، والباحث الروسي في جامعة “دريكسيل” الأمريكية أن مثل هذه التغيرات تعود إلى اضطرار رواد الفضاء إلى التكيف السريع مع التحرك في ظروف انعدام الوزن، ما يسبب تغيير طبيعة العلاقات بين خلايا الأعصاب
وعكف باحثو الجامعة على دراسة كيفية تأثير الحياة لمدة طويلة في الفضاء على الصحة والجهاز المناعي للإنسان والحيوان. وعلى سبيل المثال فقد أصبح من الواضح مؤخرا أن الرحلات طويلة الأمد إلى الفضاء تُضعف عضلات الظهر بشكل لا رجعة فيه وتؤدي إلى تغيير شكل القلب. وأظهرت التجارب على الحيوانات أيضا أن الرحلة إلى المريخ يمكن أن تؤثر سلبًا على النفسيات والقدرات العقلية لرواد الفضاء بسبب تأثير الأشعة الكونية على خلايا الدماغ.
وقد درس، دوروشين وزملاؤه، بمن فيهم متخصصون من معهد الدراسات الطبية الحيوية التابع لأكاديمية العلوم الروسية وكلية الاقتصاد العالي بجامعة البحوث الوطنية، مدى تأثير الحياة في الفضاء على بنية الدماغ والتفاعلات بين مناطقها والخلايا العصبية. وتتبع العلماء صحة 12 رائدا روسيا شاركوا في رحلات فضائية طويلة الأمد إلى محطة الفضاء الدولية.
ومن أجل تتبع هذه التغييرات، فحص العلماء أدمغة رواد الفضاء باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي قبل أيام قليلة من الرحلة إلى المحطة، ومباشرة بعد العودة إلى الأرض، وبعد مرور 7 أشهر من الهبوط على الأرض.
وقام العلماء بمعالجة هذه البيانات باستخدام خوارزميات خاصة تسمح بتتبع الروابط بين مناطق مختلفة من المادة البيضاء في الدماغ، بناء على طبيعة حركة جزيئات الماء بداخلها.
واتضح أن الحياة الطويلة في الفضاء غيّرت إلى حد بعيد الاتصال المتبادل بين تلك المناطق من الدماغ والتي تتحمل المسؤولية عن التحكم في حركات الجزيئات. وعلى وجه الخصوص فإن العلماء اكتشفوا تغييرات مهمة في طبيعة تفاعلات الخلايا العصبية في المخيخ، وكذلك في المادة البيضاء الواقعة بين القشرتين الأمامية والخلفية للدماغ.
واستمرت هذه التغييرات جزئيا حتى بعد مرور 7 أشهر من العودة إلى الأرض. ويمكن تفسير ذلك بأن تلك التغييرات نشأت نتيجة تكيف الدماغ البشري مع الحياة في الفضاء.
مع ذلك فإن العلماء لا يستبعدون احتمال أن تكون بعض التغييرات ناتجة عن إعادة التوزيع التلقائي للسوائل في الجمجمة وعواقب فسيولوجية أخرى تظهر جراء البقاء الطويل في ظروف انعدام الوزن.
يأمل، دوروشين وزملاؤه في أن يساعد المزيد من الرحلات إلى محطة الفضاء الدولية ومراقبة عمل أدمغة رواد الفضاء العلماء على فهم التغييرات في طبيعة الروابط بين خلايا الدماغ المرتبطة بها. وستسمح الإجابة عن هذا السؤال، بدورها، للأطباء بتطوير استراتيجيات لاستعادة العمل الطبيعي للدماغ في حال التأكيد أن تغييرات تظهر في عمله قد تشكل خطورة على صحة أفراد طاقم محطة الفضاء الدولية.
المصدر: تاس