رغم أزمة القمح والخبز في السودان فإن أكياس القمح تتكدس في منازل المزارعين بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الحكومة التي تشتري عادة المحصول منهم سنويا.
وانتهى المزارع عماد عبد الله من حصاد محصوله منذ مارس/آذار، ووُعد بالحصول على 43 ألف جنيه سوداني (75 دولارا) للجوال زنة 100 كيلوغرام، وهو سعر تحفيزي حددته الحكومة للمزارعين لتشجيعهم على زراعة القمح.
لكن جوالات القمح لم تخرج من منزله الصغير الذي يقع قرب حقله في اللعوتة بولاية الجزيرة جنوب الخرطوم.
ويقول عبد الله (45 عاما) لوكالة فرانس برس “كنا نمنح الحكومة المحصول كاملا، ولم نضطر أبدا إلى إعادته إلى المنزل خصوصا أنه ليست لدينا مخازن مهيأة للاحتفاظ به”.
ويشاطر عبد الله في محنته آلاف المزارعين السودانيين الذين يزرعون القمح ضمن مشروع الجزيرة الزراعي، وهو الأكبر نطاقا في السودان.
وأسهم المشروع على مدى عقود في تغطية جزء من إجمالي احتياجات السودان من القمح البالغة 2.2 مليون طن سنويا، ولم تستطع السلطات السودانية شراء كميات القمح الكاملة هذا العام، تاركة المزارعين يتدافعون لإخلاء مخازنهم.
ويعاني السودان أزمة اقتصادية متفاقمة منذ نفذ قائد الجيش عبد الفتاح البرهان انقلابا عسكريا في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أطاح فيه شركاءه المدنيين في السلطة، بينما يمر السودان بفترة انتقالية بعد عزل الرئيس السابق عمر البشير في 2019، ودفع الانقلاب حكومات الدول الغربية إلى قطع المساعدات المالية عن السودان.
ومنذ الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط وتداعياتها على أسعار الحبوب والوقود، تلوح أزمات غذاء في العالم لا سيما في بُلدان تعتمد في وارداتها بشكل أساسي على الدولتين المتنازعتين.
نقص الأموال
وتشكل واردات الخرطوم من القمح من روسيا وأوكرانيا معا بين 70 و80% من احتياجات السودان، وفق تقرير صادر عن الأمم المتحدة العام الماضي.
وتوقعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) في مارس/آذار أن يغطي إنتاج القمح المحلي هذا العام ربع احتياجات السودان فقط.
وفي وقت سابق هذا الشهر، قالت وزارة المالية السودانية إنها ملتزمة بتوفير احتياطي استراتيجي من القمح يصل إلى 300 ألف طن.
وقال مسؤول بالبنك الزراعي في ولاية الجزيرة لوكالة فرانس برس “البنك ليست لديه أموال حتى يشتري القمح (هذا العام)”، مضيفا “طلبنا أموالا من وزارة المالية وبنك السودان (المركزي) ولم نلق استجابة”.
كان العشرات من مزارعي القمح بالولاية الشمالية قد نظموا احتجاجا الشهر الماضي خارج البنك الزراعي بعدما رفض استلام حصاد محاصيلهم.
ويقول المزارع مضوي أحمد بولاية الجزيرة لوكالة فرانس برس من مخزن غلاله “لقد زرعت القمح هذا الموسم على مساحة 16 فدانا وملأت 120 جوالا بكميات وصل وزنها إلى 12 طنا”، مضيفا أن البنك الزراعي وافق على شراء أقل من نصف الكمية التي أنتجها، بينما يخشى أن يفسد النصف الآخر قبل أن يجد زبائن له.
وأوضح الخبير الزراعي عبد الكريم عمر أن القمح يمكن أن يحتفظ بصلاحيته لمدة تصل إلى عام ونصف العام عند تخزينه في صوامع بشرط الحفاظ على درجة الحرارة والرطوبة، إلا أنه “قد يفسد في أقل من 3 أشهر”، إذا كان مكان التخزين غير ملائم.
لن يزرعوه مجددا
وقال محافظ مشروع الجزيرة عمر مرزوق “يطالب المزارعون الحكومة بشراء القمح، وإذا لم تستجب فلن يزرعوه مجددا”، وأضاف أن توقف الحكومة عن شراء القمح كبّد المزارعين خسائر خصوصا أن الأسعار المعروضة من التجار الراغبين في الشراء تكون متدنية.
ومع بدء موسم الزراعة الجديد، لم يتحمس المزارعون لتجهيز أراضيهم أو حرثها، ويقول الباحث الزراعي عبد اللطيف البوني إن المزارعين “على أعتاب بداية موسم زراعة المحاصيل الصيفية ولا نشاهد تحضيرا للأراضي”.
وأعرب كمال ساري -أحد مسؤولي منظمات المزارعين بولاية الجزيرة- عن خشيته أن يؤدي إحجام المزارعين عن زراعة القمح إلى التأثير على توفير “غذاء المواطن السوداني عموما”.
ويتعرض السودانيون لموجة قاسية من ارتفاع الأسعار في الأشهر الأخيرة شملت الوقود والكهرباء والسلع الأساسية الأخرى، وبلغ معدل التضخم نحو 200%.
وحذّرت الأمم المتحدة من أن أكثر من 18 مليون شخص -أي ما يقرب من نصف سكان السودان- سيعانون من الجوع الحاد بحلول سبتمبر/أيلول، وأفادت منظمة “أنقذوا الأطفال” الأسبوع الماضي بوفاة طفلين لأسباب تتعلق بالجوع في شمال دارفور غربي البلاد.