صدر قرار أممي من الجمعية العامة، وصف بـ”التاريخي”، يؤكد أن الوصول إلى بيئة نظيفة وصحية من حقوق الإنسان العالمية.
تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً تاريخياً، اليوم الخميس، يعلن أن الوصول إلى بيئة نظيفة وصحية ومستدامة يعتبر حقاً عالمياً من حقوق الإنسان.
وأيدت القرار (161) دولة، فيما امتنعت ثماني دول عن التصويت هي الصين، روسيا، بيلاروس، كمبوديا، إيران، سوريا، قيرغيزستان، وإثيوبيا.
يدعو القرار، الذي يستند إلى نص مماثل اعتمده مجلس حقوق الإنسان العام الماضي، الدول والمنظمات الدولية والشركات التجارية إلى تكثيف الجهود لضمان بيئة صحية للجميع.
وقد رحب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بالقرار “التاريخي” وقال إن القرار يبرهن على إمكانية أن تتحد الدول الأعضاء في النضال الجماعي ضد أزمة الكوكب الثلاثية المتمثلة في تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث.
وقال، في بيان صادر عن مكتب المتحدث باسمه إن القرار “سيساعد في الحد من المظالم البيئية، وسد فجوات الحماية، وتمكين الناس- والمعرضون للخطر في الأوضاع الهشة على وجه الخصوص- بما في ذلك المدافعون عن حقوق الإنسان البيئية، الأطفال، الشباب، النساء، والشعوب الأصلية”.
وأضاف أن القرار سيساعد الدول أيضا على تسريع تنفيذ التزاماتها وتعهداتها المتعلقة بالبيئة وحقوق الإنسان. وأضاف:
“لقد أعطى المجتمع الدولي إقرارا عالميا بهذا الحق، وجعلنا أقرب إلى جعله حقيقة واقعة للجميع”.
وشدد غوتيريش على أن اعتماد القرار “ليس سوى بداية”، وحث الدول على جعل هذا الحق المعترف به حديثا “حقيقة للجميع في كل مكان”.
إجراءات عاجلة
وأشادت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، في بيان، بقرار الجمعية العامة، وكررت دعوة الأمين العام لاتخاذ إجراءات عاجلة لتنفيذه.
“يمثل اليوم يمثل لحظة تاريخية، لكن مجرد التأكيد على حقنا في بيئة صحية لا يكفي. إن قرار الجمعية العامة واضح للغاية: يتعين على الدول تنفيذ التزاماتها الدولية وتكثيف جهودها لتحقيق ذلك. سوف نعاني جميعا من آثار أسوأ بكثير من الأزمات البيئية، إذا لم نعمل معا على تجنبها بشكل جماعي الآن”.
وأوضحت باشيليت أن العمل البيئي القائم على التزامات حقوق الإنسان يوفر حواجز حماية للسياسات الاقتصادية ونماذج الأعمال.
قرار لصالح كوكب الأرض
تشير مسودة النص- الذي قدمته في الأصل كوستاريكا وجزر الملديف والمغرب وسلوفينيا وسويسرا في يونيو الماضي، وشاركت في رعايته الآن أكثر من 100 دولة- إلى أن الحق في بيئة صحية مرتبط بالقانون الدولي القائم ويؤكد أن الترويج له يتطلب التنفيذ الكامل للاتفاقات البيئية متعددة الأطراف.
كما تقر بأن تأثير تغير المناخ، والإدارة والاستخدام غير المستدامين للموارد الطبيعية، وتلوث الهواء والأرض والمياه، والإدارة غير السليمة للمواد الكيميائية والنفايات، وما ينتج عن ذلك من خسارة في التنوع البيولوجي يتعارض مع التمتع بهذا الحق – وأن الأضرار البيئية لها آثار سلبية، مباشرة وغير مباشرة، على التمتع الفعلي بجميع حقوق الإنسان.
وفقاً لمقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان والبيئة، ديفيد بويد، فإن قرار الجمعية سيغير طبيعة القانون الدولي لحقوق الإنسان نفسه.
وقال في حوار مع أخبار الأمم المتحدة إن الحكومات قطعت وعودا بتنظيف البيئة والتصدي لحالة الطوارئ المناخية لعقود من الزمن، لكن امتلاك الحق في بيئة صحية يغير منظور الناس من “استجداء” الحكومات إلى مطالبتها بالتصرف، على حد تعبيره.
5 عقود من العمل
يُعد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة لعام 1972 في ستوكهولم هو أول مؤتمر عالمي يجعل البيئة قضية رئيسية. اعتمد المشاركون سلسلة من المبادئ للإدارة السليمة للبيئة بما في ذلك إعلان وخطة عمل ستوكهولم من أجل البيئة البشرية والعديد من القرارات.
وضع إعلان ستوكهولم، الذي تضمن 26 مبدأ، القضايا البيئية في مقدمة الاهتمامات الدولية وكان بداية الحوار بين الدول الصناعية والدول النامية حول الصلة بين النمو الاقتصادي وتلوث الهواء والماء والمحيطات والآبار ورفاه الناس في جميع أنحاء العالم.
أعلنت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في ذلك الوقت أن للناس حقا أساسيا في “بيئة ذات جودة تسمح بحياة كريمة ورفاهية”، ودعت إلى اتخاذ إجراءات ملموسة والاعتراف بهذا الحق.
في أكتوبر الماضي، بعد عقود من العمل من قبل الدول الواقعة في الخطوط الأمامية لتغير المناخ، مثل جزر الملديف، بالإضافة إلى أكثر من 1,000 منظمة من منظمات المجتمع المدني، أقر مجلس حقوق الإنسان أخيرا بهذا الحق ودعا الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى القيام بالشيء نفسه.
وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إنغر أندرسن، في بيان نُشر اليوم الخميس:
“منذ إعلان ستوكهولم لعام 1972، تم دمج هذا الحق في الدساتير والقوانين الوطنية والاتفاقيات الإقليمية. قرار اليوم يضع الحق في المكان الذي ينتمي إليه: الاعتراف العالمي”.
يشار إلى أن هذا القرار ليس ملزما قانونا، بمعنى أن البلدان غير ملزمة قانونيا بالامتثال. ولكن من المتوقع أن يكون الاعتراف بالحق في بيئة صحية من قبل هيئات الأمم المتحدة حافزا للعمل وتمكين الناس العاديين من مساءلة حكوماتهم.
وقالت إنغر أندرسن: إن “الاعتراف بهذا الحق هو نصر يجب أن نحتفل به. أشكر الدول الأعضاء وآلاف منظمات المجتمع المدني ومجموعات الشعوب الأصلية، وعشرات الآلاف من الشباب الذين دافعوا- بلا كلل- عن هذا الحق. لكن ينبغي علينا أن نبني الآن على هذا الانتصار ونطبق هذا الحق”.
استجابة ثلاثية للأزمات
ومثلما قال الأمين العام للأمم المتحدة، فإن الحق المعترف به حديثا سيكون حاسما في معالجة أزمة الكوكب الثلاثية، والمتمثلة في التهديدات البيئية الرئيسية المترابطة التي تواجه البشرية حاليا وهي: تغير المناخ والتلوث وفقدان التنوع البيولوجي – وكلها مذكورة في نص القرار.
كل واحد من هذه القضايا له أسبابه وآثاره ويتعين حله إذا أردنا أن يكون لنا مستقبل قابل للحياة على الأرض.
أصبحت عواقب تغير المناخ واضحة بشكل متزايد، من خلال زيادة شدة الجفاف وحدته، وندرة المياه، وحرائق الغابات، وارتفاع مستويات سطح البحر، والفيضانات، وذوبان الجليد القطبي، والعواصف الكارثية، وتدهور التنوع البيولوجي.
وفي الوقت نفسه، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، يعد تلوث الهواء أكبر سبب للأمراض والوفاة المبكرة في العالم، حيث يموت، سنويا، أكثر من سبعة ملايين شخص مبكرا بسبب التلوث.
أخيرا، يؤثر تراجع أو اختفاء التنوع البيولوجي- الذي يشمل الحيوانات والنباتات والنظم البيئية- على الإمدادات الغذائية والوصول إلى المياه النظيفة والحياة كما نعرفها.