عندما يشكو الناس أو يرفعون مظالمهم، فعادة ما يذكرون أمورًا عصيبة يمرون بها في حياتهم. ونعلم جميعًا أن خضوع الإنسان للضغط لفترات طويلة يضر صحته؛ فالضغط يؤثر في مزاجنا، وقدرتنا على التحمل والتزام الهدوء، وأنماط النوم وجودته، وحساسيتنا للألم، وعادات الأكل، والقائمة طويلة. ولهذا السبب يؤثر تقليل مقدار التوتر في حياة الفرد في جودتها إيجابيًّا، ولكن ماذا يحدث عندما يمر الناس بمواقف عصيبة في سن مبكرة؟ هل يؤثر هذا في نشأتهم؟

بحث ﻣﺮﻛﺰ ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ اﻷﻣﺮاض واﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ CDC ومنظمة كايزر بيرماننت للرعاية الصحية في كاليفورنيا في عام 1995 هذه المسألة في دراسة قدمت مصطلح «ﺗﺟﺎرب اﻟطﻔوﻟﺔ اﻟﻣﻌﺎﻛﺳﺔ Adverse Childhood Experiences (ACE)». فدرسا العلاقة بين معاناة أحداث مؤلمة في مرحلة الطفولة وتأثيراتها الصحية طويلة المدى في مرحلة البلوغ. استندت الدراسة إلى استبيان أدرج تجارب مختلفة في مرحلة الطفولة، مثل: الأشكال المختلفة من الإيذاء الجسدي والعاطفي، والإهمال الجسدي والعاطفي، والتحديات المنزلية. ومنذ نشر هذه الدراسة، توسعت معايير ﺗﺟﺎرب اﻟطﻔوﻟﺔ اﻟﻣﻌﺎﻛﺳﺔ لتشمل العنف والعنصرية والفقر أيضًا، ومن المحتمل أن تطول هذه القائمة كلما أجري مزيدًا من الأبحاث.

فكشفت الدراسة عن أن تجارب الطفولة المعاكسة شائعة جدًّا، وكلما زاد عدد هذه التجارب، زادت احتمالية تأثرك سلبًا. وبناءً على ذلك، حفزت الدراسة اهتمام الباحثين بإجراء دراسات معمقة عن ارتباط تجارب الطفولة المعاكسة بالصحة. نُشرت في عام 2009 دراسة  بمجلة «سيكوسوماتيك ميديسن» Psychosomatic Medicine (الطب النفسي الجسمي) تحت عنوان «الإجهاد التراكمي في مرحلة الطفولة وأمراض المناعة الذاتية عند البالغين» Cumulative Childhood Stress and Autoimmune Diseases in Adults، وكشفت أنه كلما ارتفعت معدلاتك في تجارب الطفولة المعاكسة، زادت احتمالية إصابتك بأمراض المناعة الذاتية في مرحلة البلوغ نتيجة التنشيط المتكرر لعملية الاستجابة للضغط.

فيعطل التنشيط المفرط للاستجابة للضغط التنشئة الصحية لبيولوجيا الأعصاب؛ فيصبح مقدرًا لك أن تكون مفرط الحذر، وتبحث دائمًا عن الخطر. وينطلق نظام إنذارك عند ظهور أي تهديد محتمل؛ لأنه أصبح لديك ارتباط شرطي بذلك في أثناء مراحل نموك. يُحدث هذا التنشيط المفرط فوضى في أعضائك الداخلية لأنها لم تُهيأ لفترات طويلة من التنشيط.

وفي حين يبدأ التعرض لخطر الإصابة بالأمراض في مرحلة البلوغ نتيجة تجارب الطفولة المعاكسة، يمكن أن تتضح الآثار السلبية في مرحلة الطفولة. استجابات الصدمة يمكن أن تختلف، ولكن قد يعاني الطفل كوابيس متكررة ويجد صعوبة في التواصل الاجتماعي. تقول أخصائية نفس الأطفال هيليت كليتر أن «ردود الأفعال تجاه الصدمة قد تُشخص خطأً أحيانًا على أنها أعراض اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، لأن الأطفال الذين يواجهون التجارب المعاكسة قد يكونوا مندفعين؛ فيتصرفون بغضب أو بمشاعر قوية أخرى».

والأطفال الذين يعانون الصدمة قد يجدون صعوبة أكبر في تنظيم عواطفهم وسلوكياتهم، خاصةً عند غياب مقدم الرعاية في حياتهم، الذي يعكس تنظيم المشاعر صحيًّا. وقد أثبت البحث أيضًا أن وجود علاقة صحية وآمنة واحدة على الأقل مع شخص بالغ يمكنها مساعدة الطفل على النمو دون تطوير مشكلات رئيسية والتمتع بصحة جيدة؛ فأفضل نهج للوقاية هو منع تجارب الطفولة المعاكسة في المقام الأول. إذا كنت مهتمًا بمعرفة كيف تكون هذه الوقاية

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This