يُعتبر القطاع العقاري سبباً رئيسياً في ظاهرة الاحتباس الحراري، وهو أيضاً متضرر منها، حيث ينتج عن النشاط العقاري في العالم – وفق معيار الدورة الكاملة لبناء وتشغيل العقارات- ما يقرب من 39% من إجمالي الانبعاثات العالمية، 11% منها ناتجة عن مواد التصنيع المُستخدمة في المباني (بما في ذلك الصلب والإسمنت)، بينما ينبعث الباقي وهو 28% من المباني نفسها، عبر عملية تزويد المباني بالطاقة.
من جهة أخرى، يؤدي التغير المناخي إلى آثار سلبية على صناعة العقارات، حيث يفرض تغييرات في مُتطلبات المُستأجرين والمُستثمرين، وتتغير قيمة الأصول والثروات، وأساليب تطوير وتشغيل العقارات بسبب التغير المناخي، وذلك وفقاً لتقديرات خبراء هذه الصناعة.
ومن ثم، يجد صانعو سياسات القطاع العقاري حول العالم أنفسهم في دائرة مُغلقة، إما الاستمرار في البناء المُعادي للبيئة وتغذية ظاهرة الاحتباس الحراري ما يؤدي إلى انهيار القطاع العقاري، أو على العكس تأسيس مدن ومنشآت صديقة للبيئة تستطيع التكيف مع ظاهرة الاحتباس الحراري، والحفاظ على الثروة العقارية في الأمد الطويل.
أنماط التأثير
هناك نمطان رئيسيان لتأثر القطاع العقاري حول العالم بظاهرة الاحتباس الحراري، حسب دراسة لمركز المستقبل للأبحاث الدراسات المتقدمة أولهما الأكثر تأثيراً، يتمثل في حدوث الكوارث الطبيعية من أعاصير وفيضانات وتصحُر مما يهدد الثروة العقارية بشكل مباشر، وثانيهما التضرر التدريجي للعقارات نتيجة الاختلال المناخي وارتفاع تكاليف الإقامة وانخفاض العائد على الاستثمار في العقارات. ووفقاً لبعض الخبراء، فإن تغير المناخ يمس كل جانب من جوانب صناعة العقارات، من ارتفاع الأسعار وامتداداً إلى انخفاض الإقبال على السكن بمناطق بعينها.
ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، هناك ما قيمته 7.5 تريليون دولار من العقارات يمكن أن “تنقطع بها السُبل”، حيث تشهد هذه الأصول عمليات تخفيض كبيرة في القيمة نظراً لمخاطر المناخ؛ مما يجعل العقارات أحد أكثر القطاعات تضرراً من الاحتباس الحراري.
ذكرت الدراسة التي أعدها الخبير محمد نجم، أن التغير المناخي أحدث تحولاً هائلاً في تقييم العقارات، فقد انتهت دراسة استقصائية أجراها باحثون في جامعة نيويورك إلى أن كل خبير مالي يرى أن أسعار الأصول العقارية الحالية تعكس مخاطر المناخ “أكثر من اللازم” يقابله 67 خبيراً مالياً يعتقدون أن أسعار الأصول العقارية لا تعكس مخاطر المناخ “بشكل كافٍ”.
العقارات صديقة البيئة
بات لتغير المناخ تأثير أكبر من أي وقت مضى على عملية اتخاذ القرار بالنسبة للمُستأجرين الذين يبحثون عن مكان للعيش فيه، حيث استطلعت “برايس ووتر هاوس” رأي 600 خبير عقاري، أكدوا تزايد الطلب على المكاتب والمساكن صديقة البيئة حول العالم، حيث يتطلع المُستأجرون إلى خفض تكاليف التشغيل ودعم أهداف المسؤولية البيئية والاجتماعية للشركات، كما أن المُستأجرين على استعداد لدفع المزيد مقابل بعض الخصائص صديقة البيئة.
في السياق نفسه، وفقاً لاستطلاع أجراه موقع LettingaProperty.com البريطاني المُتخصص في العقارات، فإن أكثر من نصف المُستأجرين في بريطانيا على استعداد لدفع تكاليف إضافية للسكن بمنازل صديقة للبيئة، حيث يفضل 98% من المُستأجرين العيش في منزل مُوفر للطاقة، ويرغب 52% في دفع 10% تكاليف إضافية من أجل القيام بذلك. بينما 8% من المُستأجرين على استعداد لدفع 20% إضافية إذا كان ذلك يعني أنه يمكنهم استئجار منزل صديق للبيئة.