جاء في جريدة الاخبار
أحب عين وحيد القرن، عينه ليست غارقة في الألم مع أنه كبير وثقيل وهش وخائف… عينه فقط لم تعد تنظر إلى الخارج، إنها تنظر دائماً إلى تحت، إلى العشب والوحدة السمينة التي تمشي تحت جلده. أحب وحيد القرن بعد الكلاب، وبعده أحب الغزال، أحب الحيوانات التي تخاف من الماء والتي لا تخاف منه، أحب أن الحيوانات تظل حيوانات ولا أحب أنني لم أعد إنساناً ولم أتحول إلى وحش بعد. أحب عين وحيد القرن، لأنها تذكرني بعيني. تلك العين التي رسمها ألبرشت دورر كأنها اعتذار، لا أحد يحب وحيد القرن، وحرص الكل على إخباره بذلك، فحزنت العين وسقطت نظراتها إلى نقطة سحيقة، الحب فقط يجعل النظرة ترتفع، تطير مثل عصفور خفيف من محجر العين وتحلق، لكن لا أحد يحتاج إلى وحيد القرن.
مرة أخذوه من بيته في الهند وقالوا سنعرضه في لشبونة، وفي الطريق ظل 120 يوماً على السفينة غارقاً في الميلانكولي، ربما لأن السفينة ليست يابسة والقش الجاف الذي أطعموه إياه طيلة الوقت لم يكن زاداً. وصل الوحيد إلى البرتغال وقد حطمته الرحلة، وامتلأ جسده بالحنين وأصبح أكبر، وكأنه أصبح محشواً بالحنين والرحلة والـ 120 يوماً والجوع والهند التي صارت بعيدة وأدرك أنه لن يعود إليها، كل هذه آلام زادت وزنه، وتحلق البرتغاليون من حوله وأطلقوا عليه «الديناصور»، ثم قالوا سنأخذه إلى البابا هدية، وأخذوه على السفينة مرة أخرى وفي الطريق جاءت العاصفة وتحطمت الأشرعة أولاً وارتطمت مقدمة السفينة بالصخور وكان الوحيد مقيداً فيها، كان يحاول أن ينجو لكن الوحيد ضخم ومقيد ومخيف وخائف، وغرق الوحيد في البحر. الماء سحبه كأنه ريشه ورسمه والتر فورد خائفاً، تغير لون عينيه وهما تستسلمان للماء، هل كانت صدفة؟ العاصفة والماء؟ هل سمعت الريح نحيب الوحيد وجاءت أخير لتنتشله؟ صحيح أنه بقي أياماً ملقى على الشاطئ، لكن الطريق المؤلم انتهى. أخذوه وقطعوا رأسه وحشوه وسلخوا جلده التاريخي الجميل والكئيب. وظلت عينه مفتوحة ومعلقة بين الموت والحياة، لكنها واصلت إرسال النظر إلى العالم. كانت النظرة تذهب فارغة وتعود مثلما ذهبت، فارغة كأنها لم تر شيئاً. في فيلم ديفيد لينش «الرجل الفيل» مشهد كلما رأيته أبكي كثيراً ويذكرني. يصرخ الرجل والناس يتحلقون حوله في دائرة «أنا لست فيلاً أنا لست فيلاً، أنا إنسان».