كتبت “الديار” :عادت الإنفلونزا بقوة إلى شتاء هذا العام، ولكن برفقة متحوراتها، صحيح أنّها لم تغادر أجواءنا في السابق من الأعوام، لكنّها كانت بمنأى عنّا نتيجة إجراءت الوقاية الخاصة بكوفيد 19 والتي ساهمت في حمايتنا من الإنفلونزا كذلك.
المستجد في الموضوع من الناحية الطبية، هو تحوّر فيروس الإنفلونزا وتسلله إلى الاجسام بعد أن تخفيف الاجراءات الوقائية، في وقت لم تعد ذاكرة جهاز المناعة تسعفه كثيرا لتذكّر الفيروس، ما جعله يستشرس في عوارضه ومضاعفاته أحيانا.
ويعرّف المتخصّص في الأمراض الجرثومية الدكتور سامر صقر، الإنفلونزا الموسمية «A»، بأنّها الإنفلونزا التي يتسبّب بها فيروس أصبح لديه متحورات كثيرة من ضمنها H1N1 وH3N2 اللذان يصيبان البشر، ويتابع أنّنا اليوم بطفرة جدّية وقويّة للإنفلونزا ومتحوراتها، والسبب أنّ الناس لبنانيا ودوليا كانوا في السنوات الثلاث الماضية تقريبا يعتمدون الوقاية بالكمامة والتباعد الاجتماعي والتعقيم بسبب إنتشار ««الكوفيد 19»، فيما أزيلت اليوم كل هذه التدابير عند الكثير منهم، كما أنّه لم يعد لدى جهاز المناعة ذاكرة تحفّزه أن يطور مناعة لمن يلتقط هذا الفيروس الذي لم يشاهده منذ نحو 3 سنوات، ما يفسر حدّية العوارض التي تحصل للمرضى اليوم، ومن ضمنها الحرارة، السعال، وجع الرأس، سيلان الأنف، وجع الحلق، والتي يمكن أن تزول بعد نحو أسبوع من الإصابة كمعدل عام.
وعن الأكثر عرضة للإصابة بالإنفلونزا، يقول صقر: الصغار وكبار السن هم الفئة الأكثر عرضة للإصابة بعوارض خطرة بالإنفلونزا خصوصا الذين يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي والأوعية الدموية والقلب، ويرجّح أن تكون في هذه الحالات نسبة الوفيات أعلى، ولفت إلى أنّ سبل الوقاية من أي جرثومة بكتيرية أو فيروس يصيب الجهاز التنفسي هي مشتركة من ضمنها الكمامة والتباعد الإجتماعي وتعقيم اليدين، مشددا على أخذ اللقاح، فهو متوفر ويحمي من الإنفلونزا الموسمية»A» و «B» ومتحوراتهما.
كيف نميّز بين عوارض الإنفلونزا وكورونا؟ اجاب صقر أنّ العوارض مشتركة كثيرا بين هذين الفيروسين، وما يمكن أن يميزهما عن بعضهما البعض هو كيف يتطور الفيروس، ففي الإنفلونزا تصبح العوارض قاسية فجأة وتظهر بسرعة كبيرة عند الإصابة، بينما عوارض ««الكوفيد 19» تبدأ بشكل عادي وبعدها تصبح حادة وهناك فقدان لحاسة التذوق والشم في بعض متحوراته، وهذا لا يحصل في الإنفلونزا التي تتسبّب بطفح جلدي، وهذا لا يحدث في “الكوفيد 19″، مشددا على أنّه لا يمكن أن نأخذ الفيروس ببساطة، وهذا لأنّ أجسامنا لم يعد لديها ذاكرة لتقاومه، فهي لم تتعرّض له منذ نحو 3 سنوات، بحكم التدابير الوقائية التي كانت تحمينا من «الكوفيد» ومن الإنفلونزا في تلك الفترة .
ولأنّ الذاكرة المناعية هي الدرع الذي يتكل عليه الانسان ليحميه من الأمراض، يقول الباحث في علم المناعة الدكتورحسّان سعيّد، ان جهاز المناعة هو كواحد من 3 أجهزة موجودة في الجسم إضافة الى الجهاز العصبي والهرموني، ووظيفته التصدي لأي شيء غريب يدخل إلى أجسامنا، مثل البكتيريا والفيروسات، ويكون ذلك من خلال استراتيجيات متعددة، منها التصدي العشوائي وغير المنظم حيث تحدث عملية إبتلاع للجسم الغريب، ومنها التصدي المنظم والدقيق حيث يتّم افراز مضادات معينة للتصدي لهذا الجسم والقضاء عليه.
حول ما يضعف جهاز المناعة عموما، يجيب سعيّد أنّ لضعف جهاز المناعة شكلان:
– النوع الاول خلقي، إذ يولد الشخص ولديه نقص في أحد العناصر التي تعمل في جهاز المناعة، مثل كريات الدم البيضاء «الخلايا البائية» أو»الخلايا التائية»، وذلك نتيجة مشاكل في النخاع العظمي أو الغدة الزعترية، أو أن لا يستطيع جهاز المناعة إنتاج نوع معين من المضادات،
– النوع الثاني هو نقص المناعة المكتسب الناتج عن ضعف مناعي معين كحالة مرض «الإيدز» مثلا، بحيث يدخل الفيروس الجسم ويضرب نوعا معينا من كريات الدم البيضاء، وبالتالي لن يعرف الجسم كيف يتصدى، وكأنّه أصيب بالعمى، لأنّ الخلية التي تعمل على تنظيم الأداء المناعي دمرت.
ويشير سعيد أنّه من ضمن الأشياء التي تضعف جهاز المناعة الإستخدام المفرط للأدوية بشكل عشوائي، عوامل التوتر، التدخين، شرب الكحول ونقص وسوء التغذية. ويؤكد أنّ تأثيرات ضعف جهاز المناعة ينبع من الدور الذي يقوم به وهو حمايتنا، وعندما يضعف سنصبح أمام مجموعة واسعة من الأجسام الغريبة والفيروسات والبكتيريا والفطريات من دون أن نتصدى لها، وبالتالي مكشوفين لكلّ الأمراض، ويصبح احتمال ونسبة التعرض للسرطان أكبر وأكثر.
وعن كيفية تقوية جهاز المناعة لاعادة تفعيله، يقدّم سعيّد مجموعة نصائح لتقوية جهاز المناعة وبالتالي مقاومة الأمراض:
– نوعية الغذاء: كتناول الفواكه والخضار، مجموعات الفيتامينات مثل مضادات الأكسدة، المعادن، فيتامين «سي»، «بي6» الزنك، بروكولي، الليمون الحامض، الموز، الأناناس وتناول البروتينات، فهناك خلايا تنتج أجساما مضادة مؤلفة من بروتينات.
– الحصول على قسط كاف من النوم بين 7 الى 8 ساعات يوميا، لأنّ عدم الحصول على النسبة الكافية من النوم يزيد من فرص الإصابة بالعدوى، فأثناء النوم يعمل الجسم على مكافحة الالتهابات والتخلص من السموم .
– هناك أشياء تساعد اسمها (بروبيوتيك:Probiotic)، وهي أنواع من البكتيريا المفيدة بالأمعاء موجودة بالبصل، الثوم، الموز، الهليون أو تناولهم على شكل حبوب ما يساعد كثيرا بتنظيم بعض الأعمال المناعية.
– إدارة التوتر والإجهاد، فهذه الحالة تساعد على إفراز هرمونات الأدرينالين، والدوبامين والنورأدرينالين، والكورتيزول، وهي تقلل من قدرة الجسم على تكوين الخلايا اللمفاوية التي تساعد على محاربة الفيروس والبكتيريا الضارة.
– ممارسة الرياضة والنشاط البدني المعتدل، لأنّه إذا كان مجهدا سيؤدي إلى مشاكل في جهاز المناعة ويصبح مثله مثل عوامل التوتر، وأي مشكلة عصبية كالتوتر والقلق ستكون ردة الفعل في الجهاز الهرموني الذي سيفرز هرمونات التوتر والتي ستؤدي إلى تثبيط أو الحد من الأداء المناعي، كما أنّ الإقلاع عن التدخين ضروري لأنّه يدمر الأجسام المضادة التي تفرز في الدم، والبروتينات التي يفرزها جهاز المناعة لمقاتلة العدوى الخارجية، مشددا على أنّ الأمر الأهم هو اللقاحات والوقاية للتقليل من إحتمال الاصابة والخطورة.
خلاصة القول.. بين كورونا والإنفلونزا مساحة وقاية لا بد أن يدخلها المرء بتعزيز قوته المناعية واللقاح، وإجراءات وقائية من كمامة وتباعد وتعقيم، فهناك من لا يحتمل جسمه أي فيروس فيموت، فاقتضى التنبيه!