نعم إن اكتشاف أواني منزلية مستوردة، أو غيرها من الأجهزة والمواد المعدة للاستهلاك الواسع، ملوثة بالنظير المشع “كوبالت 60″، أو غيره من الملوثات الخطرة… هو حدث كبير الخطورة والأهمية في حياة اللبنانيين. وهو بالطبع يتطلب المتابعة الجادة والمسؤولة على كل المستويات.

اليوم يجري الحديث عن غلافات لأجهزة الهاتف الذكي، واسع الانتشار في لبنان، ملوثة أيضا بمادة الثوليوم 232 المشعة بمعدلات تفوق المعدلات المقبولة بعدة مرات. ولا أحد يعرف إذا ما كانت هناك لائحة أطول، من البضائع المعدة للاستهلاك الواسع تصل إلى البلاد ملوثة بنظائر مشعة من كل صنف ولون.

شعرنا خلال الأيام الأخيرة أننا أمام صحوة حكومية، فتحت أعينها فجأة بعد عقود من العمى، وإذا بها تصطدم بحقائق مقلقة ومخيفة، وخطيرة حقا على صحة وسلامة اللبنانيين. وسمعنا الوزراء يرفعون الصوت مطالبين بالمحاسبة والمتابعة، وإنزال العقوبات بالمسؤولين عن الإخلالات والمخالفات، التي جرت الإضاءة على بعضها المكتشف حتى الآن.

في احتفال الرعب هذا، لا بد من الحديث عن مسؤولية الدولة، والحكومات المتعاقبة، وهذه الحكومة بالتحديد، ولا سيما الوزارات المعنية بالذات، عن التقصير، والغيبوبة، والهزال التشريعي والمؤسسي، والضعف بالكادر البشري المؤهل في إدارات الدولة ووزاراتها ومؤسساتها وكامل أجهزتها. ولا بد من البحث في مسؤوليتكم عن توفير القدرة البنيوية والتقنية والإدارية والتشريعية للدولة، لكي تقوم بواجباتها الأولية في الرقابة، وحماية المواطن اللبناني من عبث الفوضى، ولعبة المافيات الإجرامية، التي لا ترحم ولا تبالي. ومن تسيب سوق الاستيراد، وإبقائه دون حسيب أو رقيب جدي وفاعل، وغير مخروق بالفساد والرشوة.

إن زرع أزلامكم وتابعيكم في مؤسسات الدولة كافة، تحت كل مسمى، موظف، متعاقد، مياوم، بالفاتورة الخ… وكل أشكال الالتفاف على قوانين التوظيف وإجراءاتها “الشهابية”، وتآمركم عليها، وتدخلكم بها حين يخطيء الزمان وتعودون إليها في بعض الحالات النادرة، فتقتسمون الحصص على أساس الزبائنية، والواسطة، والمحاصصة المذهبية والطائفية، على حساب الكفاءة والتأهيل. فهزلت الدولة وإدارتها، وانتعش فيها الخمول والفساد والرشوة، إلا البعض القليل من اولئك الشرفاء، الذين يعانون الأمرين، ويقاسون ألوان العذاب النفسي طوال مدة صمودهم في الوظيفة. إن كل ذلك هو في أساس ما تصدمون اليوم لاكتشافه من فساد، وتعريض حياة المواطنين لشتى أنواع المخاطر والتهديدات.

إن خمول الدولة واستقالتها من مسؤولياتها الرقابية، والتمادي في إضعاف بنية إداراتها، ونهب خيراتها، وضعفها وهزالها، وعجزها عن تنفيذ القوانين، ومراقبة تنفيذ التشريعات والأنظمة، تركتنا لقمة سائغة في فم المافيات، واللاهثين وراء الربح المتوحش دون رادع أو وازع. فيا أيها السادة، لا تبنى البلدان على أساس من الثقة العمياء، والأخلاق المفقودة، والقيم المنحطة في ممارسة اقتصاد السوق، الفالت من أي عقال أو رقابة، وتعطيل القوانين وإبقاء البلاد في عجز عن ممارسة الرقابة المسبقة، وتوفير الحماية لأبنائها.

فضلا عن دعوتكم اليوم لمحاسبة كل المخالفين وكل المجرمين بحق المواطنين وغذائهم وصحتهم وأمانهم، وهم بالطبع يستحقون أقصى العقوبات، عليكم الالتفات الجاد إلى إعادة هيكلة وزاراتكم، وتعزيزها بالكادر البشري الضروري، المؤهل والكافي، والتطوير المؤسسي لإداراتكم، وتطوير وتحديث تشريعاتكم، وإغناء لوائح معاييركم ومقاييسكم، وتجهيز مؤسسات الرقابة المسبقة واللاحقة عندكم، وخلقها حيث هي لا تزال غير موجودة، بكل ما تحتاجه من أجهزة، تسمح لها القيام بواجباتها كاملة دون نقص أو هوان.

لا فائدة وطنية من صراخكم، إن لم يترافق ويتبع بكل هذه الإجراءات، فالرقابة واجبكم الأول، وليست هي ترفا ترونه غير ذي أهمية، فأرقى بلدان العالم ستشهد تسيبا إن هي تلكأت يوما عن ممارسة الرقابة المسبقة والحماية، وتطبيق القانون على الجميع.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This