جريدة السفير

يأتي اليوم العالمي للغابات حزيناً هذه السنة. وقد زادت المخاطر على ما تبقى من ثروة حرجية من كل حدب وصوب. فلا المنظمات الدولية المعنية تخلص لها في دراساتها، ولا بعض الخبراء والجمعيات ولا الوزارات المعنية. لطالما تمّ الترويج في الدراسات شبه العالمية والمحلية أن أهم ما يهدّد الغابات هو الحرائق، ولهذا وضعت الاستراتيجيات لحمايتها… مع ان الحقيقة كانت دائماً في مكان آخر. السبب الرئيس لتدهور حالة الغابات والأحراج وقطع تواصلها هو العمران بكل أشكاله، من شق الطرقات وتدمير الوديان، الى البناء (لاسيما المشاريع المسماة «سياحية»)، الى إنشاء السدود السطحية (كما هي الحال مؤخراً مع سد جنة الذي يُفترض أن يتسبب بكارثة كبيرة مع قطع اكثر من خمسين ألف شجرة!)… الخ. فالمسألة على ما يبدو ان الباحثين يستسهلون احصاء عدد الحرائق والمساحات المحروقة ولا يقومون بجهد اكبر لرصد حجم الطرق التي يتم شقها وتوسيعها كل سنة ولا حجم الدمار الذي تتركه ردمياتها على الوديان ومجاري الأنهر ولا على المشاريع السياحية التي تعد بإعادة زرع بعض الاشجار بين الابنية والطرق التي تشقها بدلاً من الغابة! وربما بات هذا النهج في التستر مقصوداً، لتبرير الارتكابات الكبرى من هنا وهناك. لم نفهم تماماً الدعوة التي وجهتها وزارة الزراعة الاسبوع الماضي لزيارة وادي جنة التي سمحت (بقرارات رعناء منها) بقطع الآلاف من اشجار هذا الوادي المميز في طبيعته والذي يعتبر إرثاً حضارياً وتراثياً مهماً، وتسهيل عملية القضاء على تنوعه البيولوجي الفريد الى غير رجعة! نحن نعرف ان هناك قراراً من مجلس الوزراء بإنشاء السدود، عندما وافقت الحكومة العام 2012 على استراتيجية المياه السطحية التي طغى على خططها إنشاء سدود سطحية والتي طالما تناولناها بالنقد والمطالبة بإعادة النظر بها. ولكننا نعرف ايضاً أن مسؤولية حماية وادي جنة وقعت هذه المرة بالصدفة على الوزير الذي أصدر قراراً بحمايته عندما كان وزيراً للبيئة أن لا يسمح بقطعه هو نفسه عندما أصبح وزيراً للزراعة! كان على الوزير الذي أسس الجمعيات لحماية الثروة الحرجية والذي كان سباقاً لتأسيس حزب الخضر، أن لا يعدم وسيلة لوقف هذا المشروع، وغيره من المشاريع المؤذية على المدى البعيد وغير الضرورية. والفرصة لم تفت بعد. كان الحطابون والفحامون والرعيان الأحرص على الأحراج واستدامتها من الكثير من خبراء هذه الايام الذين يطالبون بمنع القطع او تنظيمه ثم يسمحون بمشاريع أكبر وأخطر على حياة الغابة. لا بل نجرؤ على القول انهم كانوا الأعلم بحياتها وطرق أذيتها. ثم يأتيك بعض الخبراء، «ذوي نصف المعرفة»، للحديث عن «شبكات تواصل من اجل الغابات»، مهمتها تبرير الارتكابات بحق الغابات على ما يبدو! فما معنى دعوة الإعلام الى التواصل بعد ان ابعدوا وأهملوا بسياساتهم الرعناء لسنوات طويلة الحطابين الاصليين عن الغابات؟ هؤلاء الذين كانوا يعتاشون من الأحراج ولهم المصلحة الاكيدة في حماية استدامتها كمورد متجدد، ويعرفون اكثر من غيرهم كيفية ذلك… وما كانوا بحاجة لخبراء ووزارة الا لتنظيم عمليات القطع (وليس لإصـــدار قرارات جائرة بالمنع الـــكلي)، وحمــاية هذا «الكار» من المتطفلين وتجار الأخشاب والحطابين الآليين غير الأصليين. لا نعرف كيف تم اختيار المواقع التي صنفت محميات في لبنان (14 محمية تشكل 3% فقط من مساحة لبنان!) وما الفلسفة من الترويج لمفهوم عزل المحميّات عن محيطها وعزل الإنسان عنها. وماذا نفعل بالمساحات الباقية، اي اكثر من 97% من مساحة الارض اللبنانية؟ كما لا نعرف كيف تم استسهال انتقاء ما يقارب 20 نوعاً من الانواع الحرجية في لبنان (من دون غيرها) لحمايتها أو تشجيرها… وبناء على أية فلسفة وأية معايير؟ واية استراتيجية او قرار يجرؤ على إعطاء الأولية للحفاظ على أنواع معينة على حساب أنواع أخرى، لأن هذا قد يعني فوز بعض الأنواع، وخسارة البعض الآخر. في العالم اليوم تيار بيئي صاعِد لتَقَبُّل فكرة التخلي عن حماية أنواع وتجمّعات وأنظمة بيئية عدة أكثر عرضة لخــــطر الانقراض من جرّاء التغير المناخي. مما يدل على وجود حالة إرباك كبيرة حول كيفية التـــعاطي مع مسألة تغير المناخ وحماية الأنواع. من المتوقع أنْ يتسبب التغير المناخي بالكثير من الضرر على التنوع الحيوي، مثلما هو حاصل بالفعل في أماكن عديدة… ولكن من الصعب أيضاً تحديد تأثيراته الفعلية. في الوقت ذاته، هناك العديد من المخاطر المفهومة بشكل أوضح، ولها تأثير مباشر، أهمها التدمير المباشر للمَوَاطن الطبيعية عبر العمران والحرائق والردميات والنفايات الصلبة والسائلة والمقالع والكسارات والمرامل والبستنة (مع استخدام الكيميائيات)… حيث تدفع كل هذه الاستثمارات والتعديات بشتى الأنواع إلى الانقراض. وقد كان علينا ببساطة أن نركز على معالجة حل هذه القضايا كأولوية. اي ان نغير بسياساتنا قبل ان يتغيّر هوانا. وهذا ما كان يتطلّب منذ زمن بعيد، كما نكرر دائماً، ان يكون لدينا استراتيجية للتنمية المستدامة او استراتيجية بيئية. فهل بدأ التغيير فعلاً مع إطلاق خارطة طريق هذه الاستراتيجية من السرايا الحكومية الأسبوع الماضي؟

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This