بسام القنطار

حفزت الاخبار التي انتشرت اليوم عن وجود اسراب ضخمة من البرغش في العديد من المناطق اللبنانية، النقاش حول الاسباب وسبل الوقاية. وفي حين حذر وزير البيئة من “ابتلاع البرغش” داعيا الى ارتداء الكمامات، اصدرت وزارة الصحة بياناً دعت فيه بلدية صيدا الى اتخاذ اجراءات كفيلة بتفيض كمية البرغش التي انتشرت في المدينة. غالبا ما يتم الربط بين ازمة النفايات التي ضربت لبنان منذ تموز العام الماضي وبين ازدياد البرغش. وعلى عكس ما يعتقد، لا ينمو البرغش في مستوعبات النفايات، المصدر الأساس لتكاثر الذباب. يفضل البرغش التكاثر في المياه النظيفة حيث تضع أنثى البعوض من 100ــــ 200 بيضة في المرة الواحدة ويكون ذلك كل 10 أيام. وإذا توافرت ظروف الحرارة والحماية يفقس البيض خلال أيام قليلة جداً، لذلك فإن الصيف هو الفصل المثالي للتكاثر.
اذا لن يحتاج موسم البرغش هذا العام إلى لوحات إعلانية تروج لمنتجات تكافح انتشاره. فالبرغش، يعلن عن نفسه اجتياحاً وعقصاً وتحويماً. ولم تكد درجة الحرارة ترتفع الى 20 درجة مؤية في المناطق الساحلية حتى عادت افواج البرغش للانتشار بشكل سريع، منذرة ان صيف لبنان الطويل الذي بات يبدأ منذ منتصف آذار ويستمر لاواخر تشرين الاول يستقبل “الجليس غير الانيس”.

تنشط البلديات في رش مبيدات البرغش التي تكثف غاراتها على البيوت مع اشتداد حرارة الطقس، في مختلف المناطق اللبنانية، من الساحل إلى الجبل مروراً بالسهل.

بينت دراسة أعدتها عام 2005 اختصاصية علم الحشرات في الجامعة الأميركية د. خزامى كنيعو، وجود 12 نوعاً من البعوض في لبنان. وأظهرت عينه لـ1000 بعوضة، أن 80% من البرغش الذي يتكاثر في لبنان هو من نوع «كوليكس بيبينس» (Culex Pipiens) وترتفع هذه النسبة إلى 98% بين حشرات المنازل.

وتشير الدراسة إلى أن هذا النوع موجود في كل المناطق، لكن الشواطئ الصخرية اللبنانية تمثّل موئلاً لنوع آخر من البرغش يسمى «أوشليراتوس كاسبيوس» (Ochlerotatus Caspius) الذي يتكاثر على الشواطئ الصخرية ذات البرك التي تحوي مياهاً مالحة. وتثير لسعة هذا النوع، حساسية أشد من برغش المنازل.

في الستينيات أطلقت في الأنهار اللبنانية مئات أسماك «جامبوسيا» التي تتغذى على يرقات البعوض، ما قضى على نسبة كبيرة منها، وخصوصاً «انوفيليس غامبيايي» Anopheles gambiae المسؤولة عن نقل الملاريا. وبات هذا النوع بات نادر الوجود، لكنه اكتشف منذ عدة سنوات في عدة قرى في قضاء المتن وجرت مكافحته.

وفيما تبلغ الكلفة الشهرية لمكافحة البرغش داخل بيت لبناني مؤلف من خمس غرف، حوالى 30 دولاراً أميركياً، تثير آلات الرش التي تستخدمها البلديات هواجس عدة تتعلق بفعاليتها ومدى أمانها لمستخدميها وللبيئة المحيطة.

وتبلغ تكلفة الرش عبر ضخ الضباب الساخن حوالى 150 دولاراً لكل برميل، فيما تنخفض هذه الكلفة في حال استخدام تقنية ضخ الضباب البارد، وذلك بسبب استبدال المواد البترولية (المازوت والكاز) بالماء لإطلاق المبيدات في الجو. ولقد سوق هذه التقنية عدد من الشركات اللبنانية، ولم يتم تبنيها من قبل عدد كبير من البلديات رغم ادعاءات المروجين لها بأنها أقل ضرراً للبيئة.

تنتج مولدات الضباب، بصرف النظر عن طريقة عملها على الطريقة الساخنة أو الباردة، قطيرات دقيقة، يصل حجمها إلى أقل من 25 ميكروناً باستعمال المستحضرات ذات القاعدة النفطية، وتزيد أحجام القطيرات قليلاً مع استخدام المستحضرات ذات القاعدة المائية.

 AFP PHOTO / JIJI PRESS

AFP PHOTO / JIJI PRESS

وتحذر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة من أخطار محتملة تصاحب استخدام هذه المولدات. إذ إن استنشاق الضباب يمكن أن يسبب مشاكل بحسب حجم القطريات، ويمكن أن يسبب أيضاً تسمم النباتات والأشجار. ويشكو السكان في عدة مناطق لبنانية من عدم تحذير البلديات لهم، قبل استخدام مولد الضباب، وخصوصاً في ساعات الصباح.

وتعمل مولدات الضباب الساخنة عن طريق تبخير سائل المبيد الذي عادة ما يكون مذاباً مع المازوت أو الكاز في غرفة الإحراق، ثم يطرد عن طريق أنبوب خروج ليكوّن سحابة كثيفة من الضباب نتيجة تكثفه عند ملامسته الهواء البارد المحيط به. أما مولدات الضباب الباردة فتعمل عن طريق تفتيت مستحضر سائل الرش إلى حجم متناهٍ في الصغر، حتى يمكن الحصول على قطيرات حجمها الأوسط أقل من 50 ميكروناً.

وتشير المعلومات إلى أن السوق اللبناني يزخر بعشرات المبيدات المجازة من وزارة الزراعة للاستخدام في مكافحة البرغش، لكن قلة من البلديات تستخدم مبيدات موجهة لليرقات في أماكن تفقيسها، بل تعمد إلى استخدام مبيدات الحشرة المكتملة عبر رش جنبات الطرق والمنازل، ولا يتورع بعضها عن رش المناطق الزراعية، الأمر الذي يؤدي إلى خسارة الكثير من عناصر التنوع البيولوجي، بل طائفة متنوعة من الكائنات التي تسهم في صمود النظم الإيكولوجية وإمكانياتها على التطور.

وبحسب دراسات بحثية في الجامعة الأمريكية في بيروت لمختصين في علم الحشرات في لبنان، فإن الحد من البرغش أو السيطرة عليه من الأمور الصعبة للغاية، ومن الأفضل التخلص في بداية شهر نيسان من كل عام، من مأوى البعوض، وخصوصاً في خزانات المياه. إضافة إلى منع تجمع المياه حول الأبنية وتنظيفها باستمرار في حمامات السباحة أو الأماكن التي تستخدمها الطيور للشرب. كما ينبغي منع ركود الماء لأيام عدة متتالية في الأوعية المستخدمة للنباتات.

وينصح بتربية كل أنواع الأشجار والنبات التي تنتج رائحة طاردة للبرغش، (زنزلخت، وياسمين، والنباتات العطرية) وتخفف هذه الروائح من البرغش لكنها لا تبعدها نهائياً. كما ينصح باستخدام أقراص «الكاتول» خارج المنزل فقط بسبب دخانها الكثيف، مع ضرورة التنبه إلى تهوئة الغرف دائماً في حال استخدام مبيدات حشرية عن طريق الرش أو الحرق.

Mosquito_Tasmania_crop

ومن المعلوم أن البرغشة لا تستطيع أن تتحرك براحة في النهار وذلك لارتفاع الحرارة، لذلك تنشط كثيراً في ساعات الصباح الأولى وعند المغيب. والاهم أن أنثى البعوضيات هي وحدها التي تتغذى على الدم لأنه ضروري لنضج البيوض، فيما الذكر يتغذى على عصارة النباتات ورحيق الأزهار. ويتميز فم الأنثى بأنه مزوّد بأجزاء دقيقة تساعد على ثقب الجلد وامتصاص الدم. ومعظم الناس لديهم حساسية ضد لعاب البعوض، الذي يسبب الحكاك والحساسية. وتنتج هذه الحساسية من مواد تضخها أنثى البرغش في الجلد، منها ما يساعد على منع تخثر الدم أثناء امتصاصه، وأخرى تساعد على تخفيف الشعور باللسعة إلا بعد مرور وقت يسمح للبرغشة بالمغادرة.

ويعتبر السبب الرئيسي لتكاثر البرغش في بيروت وجود خزانات مياه الشرب على أسطح الأبنية أو أسفلها. وعادة تترك هذه الخزانات مفتوحة أو نصف مغلقة، ما يمثّل فقاسة مثالية. ولا تعتبر مياه الصرف الصحي مكاناً مثالياً لتكاثر البرغش، وذلك لاحتوائها على كمية كبيرة من المواد الكميائية الناتجة من مواد التنظيف، لكن من المحتمل أن يتكاثر البرغش في مياه مبتذلة قليلة التلوث.

وليس مؤكد علمياً ما خلصت اليه بعض الدراسات التي تقطع بأسباب انجذاب أنثى البعوض لجسم إنسان معين دون سواه. فهناك عوامل عدة تجذب البعوض إلى فريستها. وأقواها قوة فرز الجسم لثاني أوكسيد الكربون. وبحسب الدراسات فإن أنثى البرغش تنجذب أكثر إلى واحد من بين 10 أشخاص، لأسباب متعددة، منها درجة إفرازه ثاني أوكسيد الكربون والبروتين والدهون ورائحة الجلد وغيرها من العوامل. لكن أياً من الدراسات لم تتوصل إلى أسباب قاطعة ونهائية في هذا الموضوع.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This