لا تنام القرى المحيطة بمصانع الاسمنت في لبنان على همّ بيئي حتى تستفيق على آخر. من التسرّب النفطي من الخزانات، الى الكسارات العشوائية وتفجير الصخور، وصولاً الى كثافة غبار الاسمنت الناتج عن عمليات نقل الاتربة قبل مرحلة التصنيع، والغبار الناتج عن فلاتر الافران وماكينات الطحن، وتكديس مادتي «الكلنكر» و«البتروكوك» في الهواء الطلق بما يخالف الشروط البيئية، لا سيما المذكرة الارشادية الصادرة عن وزارة البيئة عام ١٩٩٧ التي تضع شروطاً بيئية لتصنيع الأسمنت وهي لا تزال حتى اليوم غير مطبقة بشكل كامل.
واحدة من المشاكل الاساسية التي تقلق اهالي البلدات المحيطة بالمعامل، تتعلق بغبار الاتربة الناتج عن صناعة الاسمنت، والتي تسبب العديد من المشاكل البيئية والصحية.
ومن المعلوم انه اثناء انتاج الكلنكر في افران مصانع الاسمنت تزال المواد الناعمة ذات التأثير غير المرغوب فيه على خواص المنتج. وتجمع هذه المواد اثناء تنقية غاز العادم او في وحدات الممرات الجانبية ويعاد تدويرها بنسبة كبيرة في مصانع الاسمنت، الامر الذي يفقد الاسمنت جزء اساسي من مواصفات الجودة خصوصاً ما يتعلق بمحتوى القلويات في الاسمنت.
في لبنان ترمى غالبية هذه المواد بطريقة غير بيئية ولا يجري الاستفادة منها عن طريق اعادة التدوير السليم والمربح.
احد الطرق المطبقة عالمياً لاستغلال خواص هذه الاتربة الناتجة عن خطوات تصنيع الاسمنت هي استخدامها كمواد خام في صناعة الزجاج.
تشير دورية “الاسمنت العالمية” وهي دورية متخصصة في صناعة الاسمنت الى ان التجربة الالمانية في اماكنية الاستخدامات البديلة للاتربة الناتجة من صناعة الاسمنت قد شهدت تطوراً ملحوظاً خلا ل العقد الاخير. وهناك طرق عديدة موصفة في المراجع العالمية تشير الى انه بالاضافة الى الاستخدام المباشر في عملية انتاج الاسمنت ، يمكن معالجة الاتربة الغنية بالقلويات من خلال الاستخدام الزراعي كبديل للاسمدة وكمصدر اضافي للعلف الحيواني. الاتربة النشطة هيدرولوكياً يمكن ان تستخدم ايضاً في انشاء الطرق كمواد باطنة او مالئة للاسفلت. استخدامات اخرى ممكنة هي معالجة وضبط مياه الصرف، واخيراً هناك وصفات للسمات الاساسية لاستخدام الاتربة الغنية بالقلويات في صناعة الزجاج.
في المانيا تم تدوين الكميات الفعلية للاتربة الناتجة من مصانع الاسمنت وتركيبها الكيميائي من خلال مسح استقصائي بهدف التقدير المبدئي لمدى مناسبة الاتربة للاستخدام في تصنيع عدة انواع من المنتجات الزجاجية. وتم تحضير خلطات بتركيبات متوافقة مع الخلطات الصناعية الشائعة، من الاتربة التي تم الحصول عليها من مصانع الاسمنت مع اضافة كميات من مواد خام اخرى. بعد انتاج الحبيبات تم تجفيفها بالهواء للحفاظ على الرطوبة بداخلها ، ثم صهر الزجاج في فرن بسعة ٨٠ ليتراً عند درجة ١٣١٥ مئوية واجراء عملية الصهر عند درجة ١٤١٠ مئوية. ثم جرة تصنيع الاليفا الزجاجية بتمرير الحبيبات المحتوية على تراب الممرات الجانبية لمصانع الاسمنت وهي في حالتها المنصهرة من الفرن الثابت.
توضح نتائج المشروع البحثي قدرة تراب تشغيل عمليات صناعة الاسمنت ليكون تغذية لصناعة الزجاج. هذه الطريقة الجديدة للاستخدام لها اهمية اقتصادية لكل من صناعة الاسمنت وصناعة الزجاج، فهي توفر فرصة لمنتجي الاسمنت لخلق حلول بديلة لاعادة تدوير اتربة عمليات التشغيل داخل المصنع. اما بالنسبة لصناعة الزجاج فيتوقع خفض في كلفة الانتاج عن طريق الاحلال الجزئي لتربة الممرات الجانبية والارتبة المجمعة من مواقع تنقية غاز العادم من عملية حرق الكلنكر محل المواد الخامة الاولية. ولقد تمكن الفريق البحثي من ايضاح صلاحية جميع الاتربة التي خضعت للدراسة على اعادة الاستخدام. وتعتمد درجة احلال اتربة عمليات الاسمنت محل المواد الخام الاولية لصناعة الزجاج على التركيب الكيميائي لكل من الاتربة لكل حالة على حدة. كما تمكن الفريق البحثي من تصنيع زجاج مضغوط من خلطة محتوية حتى ١٠ بالمائة بالوزن اتربة مصانع الاسمنت. ولقد امكن تشغيله بنجاح لانتاج الالياف الزجاجية وحو محبب. هذا بالاضافة الى امكانية تصنيع منتجات اسفنجية تحتوي على ٥٠ بالمائة بالوزن اتربة صناعة الاسمنت ويمكن ان تستخدم مباشرة مواد عازلة.
بالاضافة الى الفوائد المذكورة فان الاتربة القلوية تبدو مناسبة بصفة خاصة لاعادة تدوير مخلفات الالياف الصناعية والطبيعية. واعادة ادخال المخلفات على شكل الياف في عملية التصنيع. ويمكن استغلال الخاصية اللاحمة الهيدروليكية لاتربة صناعة الاسمنت وخلطها بها وترطيبها وتجهيزها على شكل اجسام متماسكة. كما يمكن لاتربة صناعة الاسمنت ان تكون مصدراً للالومنيوم وان تحل محل نسبة محدودة من البوكسيت كمادة خام ، الامر الذي يحقق ترشيداً اكبر للنفقات.
وتخلص الدراسة البحثية الى ان استخدام اتربة مصانع الاسمنت في صناعة الازجاج تمثل تحولاً صناعياً وتفتح افاق التعاون بين مصانع الاسمنت والزجاج بما يحقق مصلحة الطرفين والتحفيف من الاثار البيئية الضارة للتخلص العشوائي من أتربة وغبار مصانع الاسمنت.
هل يمكن نقل هذه التجربة الى صناعة الاسمنت الوطنية؟ يؤكد مدير مصنع الترابة الوطنية (السبع) روجيه حداد ان هذا الموضوع سيكون محل بحث من قبل ادارة المصنع، واذا ثبت جدواها الاقتصادية في لبنان خصوصاً لجهة جاهزية وقدرة مصانع الزجاج اللبنانية، فسوف تكون خطوة متقدمة نحو تطوير وتفيعل صناعة الاسمنت في لبنان، وجعلها اقل تلويثاً للبيئة.
بدوره يؤكد رئيس هيئة حماية البيئة في شكا بيار ابي شاهين الى ان مشاركته في مؤتمر عقد في مصر الشهر الفائت، عن اسخدام الوقود البديل في صناعة الاسمنت ، قد فتح العديد الافاق امام الجمعيات البيئية من اجل الضغط على مصانع الاسمنت في لبنان لتبني سياسات وبرامج بيئية في عملية التصنيع، ومنها اعادة تدوير اتربة الاسمنت لصناعة الزجاج. ويؤكد ابي شاهين على ضرورة إشراف وزارتي البيئة والصناعة على اي تجربة جديدة وتحفيز المصانع على اعتمادها، لان غياب الرقابة الحكومية تفتح البازار امام استخدام تقنيات غير بيئية ما يفاقم المشاكل الموجودة حالياً بدل من معالجتها.