سلام ناصر | 

تبقى ثروة لبنان متمثلة بغطائه الأخضر، وهو أهم وأكبر بما لا يقاس من ثرواته الدفينة في بحره، فكميات الغاز المكتشفة في مياهه الاقليمية ستنضب مع استخراجها، فيما الثروة الحقيقية تبقى في ما تختزن أحراج لبنان من نباتات وأزهار عطرية وطبية، خصوصا إذا علمنا أن نحو 150 نبتة وزهرة تحمل اسم لبنان وبعض قراه ومناطقه، كونه يمثل موئلها الطبيعي الوحيد في العالم، ومنها على سبيل المثال “سوسنة صوفر” المعروفة في الموسوعات العلمية باسم Iris Sofarana، وعدد كبير لا يحصى من الأزهار تم تصنيفها في القرن الثامن عشر من قبل علماء غربيين وأطلقوا عليها اسماء الأماكن المكتشفة فيها. إلا أن كثيرين لا يعلمون أن لبنان موئل أزهار برية قام الغرب بتدجينها، ومنها “التوليب” التي بدأت بالتفتح في أعالي الضنية ومرتفعات ضهر البيدر وغيرها من المناطق التي تعلو نحو 1400 متر عن سطح البحر. وإلى الآن، لم تلقَ “زهرة التوليب” اللبنانية اهتماما وعناية، وإن ظلت تعلن عن نفسها في المناطق الجردية النائية في هذه الفترة من كل عام، زهرة برِّية غير مدجنة وأكثر جمالا من “التوليب” المهجّن الوافد الينا من أوروبا، وربما ليس ثمة كثيرون يعلمون أن بعض أنواع “التوليب” موطنها لبنان، تماما كما هو الحال بالنسبة الى تركيا التي تعتبر موئل زهرة “التوليب” قبل ان تنتقل منها إلى أوروبا قبل اربعمئة عام، حتى أن كلمة “توليب” مأخوذة من كلمة “تولبنت” وهي تشير لعمامة السلطان العثماني التي تشبه زهرة التوليب شكلا. كان يمكن لزهرة “التوليب” البرية أن تكون مصدر ثروة للبنان، فهي تمثل بعضا من مكونات بيئته وغطائه النباتي، وهي متجذِّرة في تربته منذ آلاف السنين، فيما بعض الدول الاوروبية جعلتها رمزاً لها، وأهمها هولندا التي تنتج سنويا نحو مليار زهرة، وهي غريبة عن بيئتها، لكنها عرفت كيف تسوقها بعد تهجينها وإخضاعها لتجارب مخبرية وتمكنت من الحصول على أنواع قابلة للتسويق والمنافسة في سوق الازهار العالمية، أما في لبنان فتحولت “التوليب” إلى زهرة نادرة وعلى قائمة النباتات والازهار المعرضة للانقراض.

مركز النباتات الحيوي في لبنان في هذا السياق تأتي أهمية مبادرة “جمعية اليد الخضراء” في مدينة عاليه لاعادة الاعتبار لزهرة “التوليب” من خلال “مركز النباتات الحيوي في لبنان Botanical Garden” الذي انشأته من اجل الحفاظ على التنوع النباتي، وهي قامت برصد المواقع التي تحتضن أزهار “التوليب” وتصنيفها، والحصول على بصيلات تمت زراعتها مؤخرا في مشتل الجمعية في مدينة عاليه. ويشير رئيس الجمعية زاهر رضوان لـ greenarea إلى “دراسات أولية قمنا بإعدادها واستندنا فيها الى دراسات وموسوعات علمية لمعرفة أنواع التوليب الموجودة في لبنان”. وقال: “ثمة ثلاثة أنواع معروفة حتى الآن، وهي: Tulipa Lownei Baker، وهذا النوع لونه ابيض وزهرته مؤلفة من ست وريقات موشحة باللون البنفسجي، وهي موجودة في البقاع الشمالي حيث قمنا برصدها العام الماضي، وهي تزهر كما كل أنواع التوليب اللبناني بين شهري نيسان وايار، أقل باسبوع أو أكثر بأسبوع تبعا لارتفاع المناطق وعامل المناخ”.

التوليب اللبناني الجبلي وأضاف رضوان: “هناك نوع آخر موجود على نطاق واسع وهو ما يعرف بالتوليب اللبناني الجبلي ومعروف علميا باسم Tulipa Montana وهو موجود في مناطق كثيرة، في محمية ارز الشوف وفي منطقة “نبع السكر” في الضنية، وهو ينبت على ارتفاعات عالية تبدأ من 1300 متر وما فوق، وأوراق الزهرة خضراء تكون مجعدة قليلا، والنوع الثالث هو الـ Tulipa Agenensis، وهذا النوع موجود في القموعة وهو يشبه التوليب الاحمر الجبلي، لكن ازهاره مفتولة، والاوراق الخضراء مستوية، وتضم الزهرة ما بين ست وثماني وريقات وفيها ستة “عيون” سوداء و”عين” في الوسط، ولذلك يبدو قعر الزهرة واسع خلافا لتوليب مونتانا حيث قعرها اصغر ووريقات ازهارها اصلب”. ولفت إلى أن “هذه هي الانواع التي تم اكتشافها حتى الآن وثمة من يرجح وجود أنواع أخرى غير مكتشفة”، مشيرا إلى أن “هذه الانواع جميعها تنتمي علميا الى عائلة الـ Liliaceae وكل انواع التوليب تنتمي الى هذه العائلة”. وقال رضوان: “هناك من يعتبر أن لا جدوى اقتصادية لزهرة التوليب اللبنانية، لانها زهرة برية لا يتعدى ارتفاعها الـ 10 و 15 سنتيمترا، أي أنها غير قادرة على منافسة التوليب المستورد، لكننا وجدنا أنه في الامكان تعميم زراعتها كنوع من أزهار الزينة لحمايتها من الانقراض”.

عرضة للانقراض ولفت إلى “اننا الآن في مرحلة التجارب، فالعام الماضي زرعنا في مشتلنا أكثر من 100 بصيلة من الانواع الثلاثة، ونقوم برعايتها لاننا نعتقد أن الاعتناء بها وريها سينتج زهرة بمواصفات قد تكون قادرة على منافسة التوليب الاوروبي، كخطوة اولى لتحويل هذه الزهرة الى رافد اقتصادي لكثير من العائلات اللبنانية، خصوصا في المناطق الجردية النائية التي تعلو أكثر من 1500 متر عن سطح البحر، وهي مناطق فقيرة بإمكانياتها، والزراعة التقليدية فيها شبه معدومة”، وأكد رضوان أن “التوليب عرضة للانقراض بدليل وجودها النادر، وتناقص اعدادها بسبب عدة عوامل، منها بيئية ولكن ليست ذات تأثير كبير، لكن العامل الكبير هو تدخل الانسان وتفاعله الخاطئ مع الطبيعة، لا سيما لجهة التوسع العمراني واستخدام المبيدات الزراعية”. وخلص إلى أنه “في ضوء نتائج أبحاثنا سنحدد إمكانية إدراج التوليب ضمن مشروع الجمعية الهادف إلى إعادة الاعتبار لكافة النباتات والازهار العطرية والطبية والاستهلاكية في لبنان”، لافتا إلى “اننا سنتابع في ضوء النتائج سبل تهجين التوليب وذلك يتوقف على الدعم من قبل بعض الجهات المانحة التي تربطنا معها شراكة في اطار مشروعنا الحيوي الذي بدأ يؤتي ثمارا على مستوى كافة المناطق اللبنانية”.

الجدوى الاقتصادية المهندسة الزراعية الخبيرة في مجال هندسة الحدائق جنان أبو سعيد، اشارت إلى أن “رسالة التخرج من الجامعة الاميركية في بيروت كانت حول التوليب بشكل عام”، لافتة إلى أن “ثمة مشروعا لزراعة التوليب اللبناني لم يكتب له النجاح قبل نحو سبع سنوات، ربما بسبب عوامل المناخ أو لعدم وجود جهة راعية أمنت سبل الاستمرار، ما يستدعي دراسات اكثر دون إغفال الجدوى الاقتصاية التي تتيح الاستمرار والتطور”. ولفتت إلى أنه يوجد حوالي 150 نوعا من التوليب، وهو يُزرع بشكل أساسي في جنوب أوروبا وشمال أفريقيا وفي آسيا، وينمو في المناطق المعتدلة المائلة إلى البرودة، ويتميّز بسهولة زراعته وبقدرته على تحمّل برد الشتاء”. وقالت: “إن كل الجهود القائمة حاليا لجهة تدجين التوليب اللبناني تسترعي الاهتمام والتقدير، وان كان المطلوب يتعدى ما هو قائم الى تهجين التوليب اللبناني والوصول إلى أنواع جديدة قادرة على المنافسة على الاقل في الاسواق العربية”، منوهة إلى أن “أهمية ما يقوم ناشطون بيئيون وجمعيات أهلية تتمثل في الحفاظ على هذه الزهرة وتسليط الضوء عليها، والحفاظ على مواطنها الاصلية في الجرود النائية وفي مختلف المناطق اللبنانية”.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This