د. ناجي قديح |
من أجل التحكم بالتغير المناخي، ومنع تفاقمه، ووصوله لمستويات تصبح معه الآثار السلبية شاملة وعميقة، وتلامس المخاطر حدود المخاطر الكارثية على الحياة، هناك مساران للسياسات على دول العالم أن تسير بهما: سياسات “التخفيف”، وسياسات “التكيف”. فـ”التخفيف” يهدف إلى معالجة أسباب ظاهرة التغير المناخي، أي الحد من انبعاثات الغازات، التي تسببها، في حين “التكيف” يهدف إلى معالجة النتائج، التي تحققت حتى الآن، وتلك التي يتوقع حدوثها في المستقبل، إذا بقي التغير المناخي في تطوره دون أجراءات تلجمه.
“سياسات تخفيف الانبعاثات” المطلوب االالتزام بها
تخفيف انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري هو هدف رئيسي من أهداف الدول الموقعة على الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ، وذلك لإيقاف ارتفاع حرارة الأرض عند حد 2 درجة مئوية عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية، إذ أن تجاوز حد الدرجتين، سيترافق بأثار شاملة لا يمكن توقع مخاطرها، وقد تكون نهائية وغير قابلة للتصحيح. وهذا ما يسمى بسياسات “التخفيف”.
تتحقق سياسة التخفيف من خلال تنفيذ إجراءات تتعلق بالإيقاف الكامل لازدياد انبعاثات “غازات الدفيئة”، المسببة لتغير المناخ، في حد زمني أقصاه العام 2020. والالتزام بتقليص الانبعاثات العالمية الصافية بمعدل النصف (50%) بالمقارنة مع العام 1990، وذلك في مهلة أقصاها العام 2050. وأن تكون الانبعاثات معدومة عمليا خلال النصف الثاني من القرن الواحد والعشرين، وهذا ما يستلزم بالطبع تحولات عميقة في الاقتصادات العالمية.
لقد بدأت في الواقع عمليات تخفيض الانبعاثات من مختلف القطاعات الاقتصادية، وتدل التجربة العملية على أنها ممكنة. ففي قطاع إنتاج الطاقة، تخفيض استهلاك المحروقات الأحفورية، مثل الفحم والبترول والغاز، والتحسين في ادارة استهلاك الطاقة من خلال رفع الفعالية الطاقوية للمنتجات والأجهزة، وتطوير التوجه إلى إنتاج الطاقة من مصادر متجددة، وتوليد الطاقة بطرق قليلة الانبعاثات لغازات الدفيئة. وفي قطاع الصناعة، يصار إلى تشجيع العمليات المؤدية إلى انبعاثات أقل.
الجزء الأول: نحو اتفاقية دولية ملزمة لتغير المناخ في مؤتمر باريس 2015 (1)
