يوم إقرار “اليوم الوطني للسلاحف” لم يجد أحد الوزراء في الحكومة سوى التندر، غامزا من قناة وزير البيئة محمد المشنوق، وكأن أمرا من هذا النوع يستدعي استحضار السخرية إذا ما أردنا الحفاظ على الحياة الطبيعية وتنوعها الحيوي.

       سخرية الوزير إياه تعكس مدى وعي بعض من هم في السلطة حيال قضايا البيئة، وحضورهم القاصر عن استشراف تحديات المستقبل من خاصرة البيئة كقضية وطنية وكونية، فضلا عن أن ثمة إشكالية في لبنان متصلة بطبيعة النظام الطائفي، وعدم قدرة الاحزاب “الخضراء” أن تكون في دائرة الضوء والفعل أكثر من إصدار بيانات وعقد لقاءات ومؤتمرات، خلافا لما هو قائم في دول أوروبا، حيث تشكل الأحزاب الخضراء قوة ناخبة قادرة على تصويب مسارت خاطئة في البيئة (حزب الخضر في ألمانيا نموذجا)، لا بل أبعد من ذلك، تمكنت بعض هذه الأحزاب من أن ترجح كفة الصراع في العملية الديموقراطية بين قوى اليسار واليمين على سبيل المثال، بمعنى أنها تقترع لمن يولي البيئة قدرا أكبر من الأهمية.

       لقد فرضت أحزاب البيئة في الغرب حضورا رغم “كارتيلات” المال القادرة على تشويه وتزييف الوقائع من شركات النفط إلى الرأسمال المتوحش غير المبالي باستنفاد موارد الأرض، وتمكنت من تشكيل أدوات ضغط وتحقيق الكثير من المكاسب، حتى غدت البيئة ثقافة ونهج حياة، فيما نحن لم نرقَ إلى مستوى التحديات الماثلة، مع انقراض أنواع كثيرة من الطيور والنباتات والأشجار، فضلا عن أننا بدأنا نخسر مسارات الطيور المهاجرة، فقد أكد خبراء بيئيون لـ green area أن الطيور المهاجرة ونتيجة تعرضها للابادة على مدى سنوات تغير مسار هجرتها، ما يفسر تراجع أسراب وأعداد الطيور العابرة فوق لبنان، وهذا يعني أننا في طور فقدان ثروة كان يمكن الافادة منها في مجال السياحة البيئية ومراقبة مسارات الطيور، علاوة على أننا سنفتقد ما تسديه الطيور المهاجرة من خدمات مجانية في قضائها على الأفاعي والجرذان والحشرات والآفات الزراعية، وسنضطر إلى مضاعفة استخدام المبيدات الشديدة السمية، وسنتلقى نتائجها في مياهنا وتربتنا وهوائنا.

       وفيما تهتم الدول باستعادة التوازن البيئي ومواجهة الآفات الزراعية باستحضار أعدائها الطبيعيين على غرار ما أقدمت عليه قبرص قبل أيام عدة، عندما أعلنت أنها قررت الاستنجاد بالبوم والأفاعي لحماية أشجار الخرنوب، وقامت ببناء أعشاش تساعد “البومة البيضاء” على التعشيش والتكاثر فيها لحماية الأعدا الطبيعيين لأشجار الخرنوب، أي قطعان الجرذان التي تفتك بهذه الأشجار التي تعتبر إحدى أهم الثروات الطبيعية والاقتصادية في الجزيرة المتوسطية، نجدنا نسخر ونتندر من إعلان يوم وطني لسلاحفنا البحرية المهددة بالانقراض، بسبب ما نرمي نفايات في بحرنا، وخصوصا أكياس “النايلون” التي تبتلعها السلاحف ظنا منها أن قناديل بحر ما يؤدي إلى نفوقها.

       وفي مقاربة محايدة ومتجردة، وإذا ما أقمنا مقارنة بين السلحفاة البحرية وما تسدي الينا من خدمات مجانية في القضاء على “قناديل البحر” التي تتكاثر على شواطئنا بصورة غير معهودة من قبل بسبب تراجع أعداد السلاحف البحرية، وبين ما يسدي الينا الوزير “المتندر والساخر”، نجد أن السلحفاة أكثر أهمية ودورها حاسم في التوازن البيئي وغيابها يترتب عليه كوارث لا تحصى، كي لا نقول أن بعض المسؤولين لم يتخطَّ وجودهم دور “الفطر” الذي يغتذي من جذع شجرة، بمعنى أن غيابه لا يعتبر مدعاة للقلق، لكن يبدو أن الوزير عينه لا يمارس السباحة في مسابحنا الشعبية ولم تلدغه قناديل البحر أو لم يرها يوما وهو يأخذ حمام شمس في حوض السباحة في قصره الباذخ.

       سخرية الوزير العتيد استحضرت المقارنه بينه وبين السلحفاة، لنعلن جهارا تعاطفاً مع عالم السلاحف.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This